التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رحيل كبرياء الفن السوري رفيق سبيعي أبو صياح


بقلم//جهاد أيوب

   

       منذ سنة كان اللقاء مع القدير رفيق سبيعي في سورية بعد طول غياب، بادرنا بعتب البعاد، فتح منزله وقلبه وذاكرته، لم يتغير  في ترحابه ومواقفه وشكواه، كان مصدوماً لوجع سوريا، معتبرا أن وجعها هو وجع كل العالم وتحديداً العرب، وحينما قلت له مهلا يا كبرياء الفن فآلامك هي ألامنا، نزلت دمعته الماسية المشحونة بعاطفة الرحيل، وأخذ يبكي كالطفل الذي فقد لعبته!!
وقال:"أخاف يا صديقي أن يصيب بلادنا ما هو في اسمك أي صبر أيوب، وأموت دون أن أجدها تحررت من حقد التكفيريين، وجهل أدعياء الدين والوطنجية"!
هو في عبق ذاكرة الفن العربي وتحديدا الفن السوري، وهو من راياتنا التي نعتز بها، وهو من صفحاتنا الجميلة في زمن البدايات الحقيقية لمجتمع فني متحضر، واضح القول والفعل والمحبة والمواقف، لا يعرف الغدر لكنه يواجه من غدر به ويبتعد عنه، لا يجامل في رأيه ويمرر رسائله بهدوء وذكاء!
هو من حمله الرئيس بشار الأسد مسؤولية التواصل معه مباشرة ليحل مشاكل الفنانين السوريين بعد أن اعتبره من كنوز الوطن، وهذا الحمل زاده تواضعاً ومسؤولية ومشاركة لكوادر الفن، أصبح أكثر التزاما بقضايا محيطه، ولم يبخل يوماً بالتواصل مع من يطرق بابه لحديث أو نصيحة.
لم تغيره الشهرة حينما أطلق عليه الرئيس الراحل حافظ الأسد لقب "فنان الشعب"، هذا اللقب جعله يغرق في التواضع، ويصر أن يلتزم بمواعيده مع العمل، ويعتبر المخرج سيد المكان والرأي، لكنه، ومن خلال تجربته وخميرة العمر والعمل يقدم رأيه بتواضع المبتدئين فيخجل صغار الفن من هذا الاسم وهذا الفعل وهذه المواقف.
لا أدري كيف تداخلت ذاكرتي فيما بينها وأنا أكتب عن صديق قامة وراية وإنسان بمستوى رفيق سبيعي، صديق لم يشعرني بأنني من ضيوف سوريا، بل فتح لي مكتبته وزمانه وعواطفه ورزنامته، والقليل من أسراره، وحملني الكثير من عبق سنوات تعبه.
كيف أكتب عن رحيل من أحترم وأقدر، وكان كلما اتصلت به يطلب مني العودة إلى سوريا بكلام أخجل من البوح به لكثرة ما يحتويه من محبة!
قدم تجارب فنية غنية بالعمق الفني المبني على الفطرة، ومن الكوميديا الاجتماعية والغناء ألانتقادي وصل إلى التراجيديا بكل فصولها حتى أشعرنا بأنه لا يمثل بل يقنع حتى الدهشة.
أحب الإذاعة والإرشاد في رسائلها، وأحب بلاده بعبق وجوده، وكان متعصبا للبنان الوطن المبدع ولمقاومته، وعاتبا على الشعب اللبناني لأنه لم يقدر قيمة ما لديه! 
رفيق سبيعي قصيدة مجبولة بتعب السنين، وهجران أهله له لكونه اختار طريق الفن المحرم آنذاك اتعبه، وحينما بادروه بالقطيعة لمدة 17 عاماً قرر أن ينجح ويجعل من موهبته واحة من الاحترام، لم يشاهدهم، ولم يسمح له بالحديث معهم، وغادر الدنيا لأجل الفن!
ولد عام 1930 في حي "البزورية" في مدينة دمشق القديمة، وكان أبو أحمد المنعش "حكواتي زمان" يراقبه وينصحه، فاعتبره رفيق أستاذه الأول في فن التمثيل، أما أستاذه الثاني فكانت "الكمبوشة " - حجرة الملقن على أرض المسرح-، كان عمره 9 سنوات حينما شاهد أول فيلم سينمائي باسم " المعلم بحبح" للراحل فوزي الجزايرلي، حينما بلغ 14 عاماً انخرط في النوادي الكشفية، وهناك كشف عن موهبة الغناء والتمثيل، عام 1954 انطلاقة فعلية له في الفن من خلال العمل في المسرح والإذاعة...
رفيق سبيعي، الصديق والأب، الوطن ودمشق بكل ما تحمله، الفن العربي المعتق بصمة لن تنسى، وقيمة لن نستخف بها، ولغة عميقة، وشخصية متجذرة بالعمق وبالفكر، وبالمحبة، هو لغة تستحق القراءة، وكتاب الصبر والتعب والمجد في عالم الفن النظيف...
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...