التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نحن شركاء في جريمة اغتيال الوطن وتراثهالاعلام اللبناني يعدم وديع الصافي ويقتل نجاح وسعاد ونور


* توفيق الباشا انقذ التراث والتاريخ الغنائي اللبناني من الصهاينة



بقلم/جهاد أيوب

  حينما دخلت إسرائيل بيروت في اجتياح سنة 1982 فرزت مجموعة من عصاباتها لتدخل الإذاعة اللبنانية، وتتعمد اتلاف بعض أعمال التراث اللبناني، وبالتحدي الاعمال المشتركة بين صباح ووديع الصافي وكل ما سجلاه من ميجانا وعتابا وغناء تراثي، يضاف إليهما تسجيلات نادرة بصوت حليم الرومي وسامية كنعان التي جودت القرأن الكريم مسجلا بصوتها في الإذاعة، وموسيقى توفيق الباشا وبدايات تجربة الاخوين رحباني..ولولا توفيق الباشا، وهو صاحب الفضل الاول مع مجموعة رائدة من صناع الفن الموسيقي العربي واللبناني النظيف و المشرق لكان لبنان وإذاعته اليوم من دون ارشيفه وتراثه، سارع توفيق وخلال هدنة الموت الاسرائيلية في بيروت إلى النزول من منزله باتجاه الإذاعة اللبنانية ليصاب بضيق تنفس، واختناق حينما وجد ارشيف الإذاعة اللبنانية من الاغاني والاعمال الموسيقية النادرة والخاصة مرمية في القمامة ونفايات مصرف لبنان ومنها ما هو محروق وتالف، وحينما دخل الإذاعة متفقدا اصيب بصدمة سرقة أعمال من ذكرتهم انفا أي تسجيلات نادرة للاسطورة صباح وللهرم وديع الصافي تحديدا، ومن حظ لبنان والمكتبة العربية ان الموسيقار توفيق الباشا كان قد سجل ونسخ غالبية هذه الاعمال، ونقلها إلى مكان أمن قبل دخول الصهاينة إلى بيروت بأيام لشعوره أن إسرائيل قد تسرق الإذاعة بما تحتويه من كنوز تؤكد أهمية دور الفن اللبناني في ريادة الفن العربي وتطوير موسيقته وفن الغناء فيه، والاخطر خوفه على التراث الذي سجل بتعب التاريخ، وبرز هوية الوطن وحضارته.
خاف توفيق الباشا على كرامة التاريخ الفني اللبناني العربي كفرد مسؤول، فسبق فعلة جريمة لصوص التاريخ والأعمار الصهاينة، وانقذ ما يمكن انقاذه، وما ان انسحبت إسرائيل من بيروت حتى عمل على إعادة ما كان لديه من اعمال لبنانية خالدة دون ضجيج أو منة، ولم يتغنى بما قام حفاظا على سمعة بلده، وايضا قام بتنظيم المكتبة الغنائية في الإذاعة انذاك دون ان يطلب منه، والغريب العجيب والقاتل والمميت لكنزنا هذا أن لا احد من المسؤولين يعلم بهذه الحكاية التي سردها لي شخصيا الموسيقار الباشا في جلسة جمعتنا في لقاء الجمعة الثقافي بمنزل الزميل سعيد طه والمطربة سحر طه، نعم المسؤولين السياسيين والعاملين في قطاع الإعلام الرسمي لا يعلمون ولا يدركون ما لدينا من قيمة فنية تكتب التاريخ، وهذا الكنز التراثي الذي يعلم الاجيال، ويصحح ذوق المجتمع، لا بل الإذاعات اللبنانية وبالتحديد الإذاعة الأم اي إذاعة لبنان الرسمية لا تعرف الكشف عن كنوزها، وإن علمت به لا تبثه ولا تستغله بشكل دوري، بينما مساء كل جمعة، وليلة كل سبت تبث إذاعات إسرائيل التراث اللبناني والعربي، أغنيات نادرة لم نسمع بها تصدح من افواه عربية عبر هواء الصهاينة خاصة لام كلثوم وصباح ووديع، هناك يبثون كنوزنا ونحن نيام ننتظر فضيحة كي يتعمق الجهل فينا.
أما ما تبثة إذاعة bbc البريطانية من حوارات ولقاءات واغنيات عربية قديمة منها ما سجل  في بدايات 1937 وما تلاها، وتقدمه باسلوب راق عبر برنامج "صندوق النغم" يصيبنا بالدهشة، ويجعلنا أغبياء ومن قبيلة البلهاء لكوننا لا نعرف تراثنا وفنوننا وكبارنا!
بعد الاجتياح الصهيوني اطل علينا الاجتياح الاقتصادي بقيادة الشهيد رفيق الحريري، ومهما اختلفنا في حبه أو حضوره السياسي ومشاريعة علينا ان نعترف وبعيدا عن الحقد او الخلاف السياسي أن هذا المتمول والزعيم ساهم بالدرجة الاولى بخنق تلفزيون لبنان وإذاعة لبنان، وقطع جوانحهما لصالح انشاء فضائيات ووسائل إعلامية خاصة ابرزت مشروعة ومشاريع غيره، وزرع فكرة استسهال الفن والصحافة وشراء الذمم علنا، وهذا ما خرب مجتمعاتنا وفنوننا وبلادنا دون ان نشعر، وربما دون ان يقصد هو، لا ندري طبيعة فعلته هذه، ولكن الزمن يكشف ابعادها، وان النوايا الحسنة لا تصحح دائما بل تخرب فما بالك بنوايا المال وتجاره!
ومنذ 6 أشهر قررت أنا كاتب هذه السطور أن اراقب مجلاتنا وصحفنا وشاشاتنا وإذاعاتنا لاكتشف ما يلي:
اكثر الإذاعات اللبنانية لا تبث اغاني وديع الصافي بالمطلق وهو اخطر مطربي الشرق، ولا علاقة لها بصوت نجاح سلام، وللذاكرة نقول أن هذه الاخيرة طلب اغتيالها، واسكات صوتها بقرار من الكنيست الاسرائيلي بعد ان غنت للوحدة لين مصر وسورية، ولمن لا يعرفها من إعلاميينا نشير إلى انها لبنانية، ويشكل صوتها امتدادا للكبار، أما سعاد محمد التي هزت عرش ام كلثوم، واحدثت ارباكا فنيا جميلا في مصر حينما اطلت لا احد يعرف اليوم انها كانت تغني وتطرب وتتفوق، وتمتلك اخطر الاصوات العربية، وهي ايضا لبنانية، و نور الهدى صاحبة الصوت الذهبي النادر تكاد تكون من السراب الغنائي..
وموسيقانا الشعبية منها والكلاسيكية شبه مغيبة ولا احد ينظف الغبار عنها، ولا احد يبث تجارب وليد غلمية في الموسيقى ولا حتى تجارب زكي ناصيف وغيرهم من رواد النهضة الموسيقية.
إذاعاتنا تبث ربع ساعة صباحية يوميا مع تربيح الجميل ثلاث اغنيات بصوت جارة القمر فيروز دون دراية، فمثلا كل صباح تبث اغنية  لا تصلح للنهار" نحن والقمر جيران" لرفع العتب، وباقي النهار تغيب فيروز كليا، واحيانا، و في مناسبات وطنية تبث مسرحيات الاخوين رحباني ليلا فقط، وإذا تحدثوا عن الصيف والصيد تبث اغنية نصري شمس الدين " طلوا الصيادي"، اما الاسطورة صباح فأحيانا تبث اغنية لها ظهرا واخرى عصرا والسلام مع انهم يتحدثون عنها كثيرا لكونها رحلت منذ سنة ونصف، وشكل رحيلها صدمة شعبية كبيرة بعد أن ادرك الجميع ممن أحبها او لم يحبها أنهم فقدوا الفرح الذي زرعته فكان التشييع الاسطوري..واسماء كثيرة تغيب بدافع جريمة جاهل لا يعرف ماذا فعل وبيده اخطر سلطة تساهم في تغييب الصح وزرع الخطأ وتعميق الهوة والانسلاخ عن ذاتنا والمشرق في ماضينا الثقافي!
لا وجود للبرامج الثقافية بالمطلق في غالبية برامج إذاعاتنا، يضاف إليها هجرة برامج التلفزيون لكل ما هو ثقافي فكري ادبي او تراثي غنائي إلا نادرا.
اكثر مجلاتنا اللبنانية من غير ذاكرة، وتعتمد على غوغل في سرد معلوماتها، وتطل على الماضي عبر الصدفة، ولا تكترث لسيرة رواد الفن الجميل والثقافة التأسيسية، وبعض صحفنا لا صفحات ثقافية فيها، ونادرا ما تتحدث عن مداميك النهضة الفكرية في مسرحنا وفنوننا وادبنا، والقليل القليل منها يتحدث عن الفن التشكيلي والمسرح الجاد، وهذا الاخير قد لا يعرفه طلاب فنون اليوم!!
وبدوري، تطفلت على بعض وسائل إعلامنا دون ان اذكر اسمي، مدعيا أنني سنة اولى إعلام، وتحديدا الإذاعية منها، طارحا سبب تغييب تلك الاصوات التي ذكرت، وهجرة البرامج الثقافية، فكان الرد من مذيعة ثرثارة همها ان تجاري نجوم الغناء مع ضحكة بايخة وساذجة وفراغات فكرية لا تحسد عليه، ردت المذيعة المسؤولة عن إدارة إذاعة منتشرة و شهيرة على سؤالي عبر التلفون: " بعدك زغير حتى تفهم المسؤولية الإعلامية، ومن ذكرتهم من العصر الخشبي لا يزيدون من جمهورنا، لا بل يطفشونه...نحن بعصر السرعة ولو ان ام كلثوم بيننا لن يسمعها احد...والبرامج الثقافية جهل الجهل وما لها لزوم، ثقافة اليوم تكمن في مشاكلنا السريعة، وحياتنا المختلفة لا تتوقف عند قصيدة نائمة..بكرا بتكبر وبتفهم الحقيقة"!
هذا بعض ما لدينا من صور مخيفة في تعمدنا تغييب واعدام وقتل رموزنا وتراثنا وتاريخنا، قد نختلف مع التاريخ ولكن تعمد تجاهله دون قراءة له ومناقشته والاستفادة منه هو اغتيال حقيقي لنا وبأيدينا وبارادتنا، والسماح لنشر الفن السخيف والثقافة السطحية هو ما جعل الفرد منا اكثر تطرفا لزعامات تستغله طائفيا ودينيا وسياسيا ومذهبيا، هذا المواطن الفرد فقد ذاكرته الفكرية الفنية الحضارية، ولم يعد يعرف ماذا يقدم له، ويعيش منتظرا لوظيفة او رغيف الخبز من زعيم همه كسب المال وتوريث الحكم لاولاده، وعلاقة المواطن مع ربه اصبحت عن طريق بعض رجال الطوائف وليس رجال الدين الحق!!
لذلك مسؤولية الإعلام وتحديدا التلفزيون والإذاعات غاية بالاهمية والخطورة تجاه الفرد والوطن، وإذا تنبهوا لتراثهم المجهول، وبثوه مع دراسة وافية بعيدا عن التنظير والخطابية قد تنظف سمعه وبصره، وتبعده عن فوضاوية الاحكام العنصرية الارهابية وذهابه إلى قتل الانسان!!
مجتمعاتنا اليوم تعاني من كثرة الجريمة والقتل والسرقة وعدم التواصل والتزاور، والطلاق، وتفكك الاسرة سمات مخيفة، وبنظري يعود سببها إلى العقلية الاقتصادية التجارية المعتمدة على الغاء الاخر، والكسب السريع على حساب الوطن والمواطن، وجعل المجتمع مجرد رقم ليس اكثر، وتعمد تغييب تراثنا وفنوننا حتى لا ينظف الشعب سمعه وبصره وفكره ويأخد بالتفكير...الفن والفكر والثقافة والغناء المجبول ببصمة اجيال تعبت وسعت إلى الشمس هو من يجعل الفرد مسؤلا، و ان لا يؤجر عقله، وأن لا يسمح للاخر ان يفكر عنه، وإذا وافقت على ان يفكر عنك ذاك الاخر التاجر والباحث عن زعامة لا انسان فيها ستصبح رقما في عالم الاستحمار ليس أكثر، وإسرائيل عملت وربما نجحت على أن نكون كذلك!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...