التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محمد غادر تجربة تشكيلية باحث عن ضيعة تحاكي الزمن


بقلم//جهاد أيوب

  قدم الفنان التشكيلي محمد درغام غادر تجربته التشكيلية الاولى "ضيعتي تحاكي الزمن" منذ ايام في قاعة قصر الأونيسكو تحت رعاية النائب أنور محمد الخليل، وبحضور العديد من الوجوه الإعلامية والاجتماعية، وتميز المعرض بمتابعة الطبيعة بكل فصولها، وتحديدا الريف اللبناني، وبالاخص ضيعة شبعا الجنوبية.
محمد المقبل إلى التشكيل من الفن الفطري يعشق الضيعة بتفاصيلها العديدة، لا يمل من تكرار انشاء احجارها وطرقاتها واشجارها، يلاحقها كأنه الطائر المهاجر الخائف من فقدانها بعد أن يعود من زحمة السفر، وسرعة الايام، وضربات العمل، والبحث الدائم عن الترحال في بلد تتغير معالمه كل لحظة..
يخاف التشكيلي محمد من فقدان ملامح ضيعته التي يحب فأكثر من التقاط زواياها ومنازلها وجبالها حتى اصبح الحارس الفعلي على ذاكرة قد تغيب كما يغيب الانسان عن الدنيا،  فسارع ليقطف لحظات كانت، ويحدد الماضي بمفرداته وبجمالياته مع اشراقات الواقع بحاضر اضاف إليه رغباته، وقد نجح في اختزال الزمان والمكان من منازل الاجداد والاقرباء والاحباب والجيران إلى حقول طبعت بأرشيف الطفولة ولم تهرم رغم شيخوخة صاحبها، فرضت الصخور والبيادر والمواسم حضورها دون ان يسأل المتلقي عن نوعية الرسم ومستواه المهني والفني...الحضور منهك بالتنقيب عن بقاياه في لوحة تصفعه وتخبره ما حاول ان يتجاهله، تشده إليها، تخبره حكاياته، تجعله متمترسا أمامها ومندهشا وفرحا كما لو عاد إلى الطفولة تاركا من خلفه كل عيوب الدنيا وشوائب التعب وصراعات العمر المهرول إلى مجهول!

وفق التشكيل محمد غادر بإعادتنا إلى حيث يشاء، إلى مرجوحة الجدة، ومصطبة العجز، وفصول عذراء لم تعرف المدنية الهوجاء بعد، رسم تواريخا لقرية لبنانية عاصرت العمر، وتصالحت مع السنين كي تستمر مهما اختلفت الظروف، وكان لقرية " شبعا " الحصة الاكبر وهو ابنها، فرسمها منذ عام 1945إلى اليوم بلوحات مختلفة المقاس وبأفكار منوعة صبت في خدمة الطبيعة والمنظر العام وصولا إلى جداريتين تميزتا بالدقة المتناهية.
44 لوحة مشغولة بأصباغ الاكريليك تمحورت بين القنديل والشجر والحجر والجبل والشيخ ومقلة البيض وفصول السنة والمنازل القديمة والحديثة، وقد لوحظ الدقة المتناهية والبراعة التي نفذ فيها الفنان الطبيعة وتحديدا نقل الحجر كما لو كان ينحته، وما عابه ضعفه في رسم الشخوص البعيدة عن النسب والمنظور، ولا ادري لماذا اقحم نفسه برسم الشخوص بهذه الاخطاء مع انه تميز بنقل الطبيعة بشطارة!

كان على الفنان دراسة علم التشريح في نقل الشخوص او قراءة بصرية مفصلة لابعاد الحركة داخل اللوحة في فهم النسب والمنظور والحجم والقيمة حتى لا يقحم نفسه بخطأ كان باستطاعته تلافيه!

الضوء في اللوحة شغل بدراية،لكن الفنان يحب ايقاف الزمن عند وقت الظهر أكثر، تاركا تداعياته إلى المجهول، اما اصباغه فهي فرحة ومرنة وجاذبة تخدم الطبيعة التي استفاد منها الفنان حتى العمق، اي ان محمد لكونه يعشق الطبيعة تصالح مع الوانها حتى غدت ربيعية لا تعرف غير الامل، وهذه ناحية غاية بالجمال الطفولي الذي يسعد البصر، ويريح المتلقي.
الفنان محمد غادر في تجربته الاولى قدم لوحة جميلة فيها السعادة والحلم، على امل ان يقدم في السنوات المقبلة ما هو افضل وفية تأثيرية عميقة و باحثة أكثر، والاهم أن يدرك اننا نرسم كثيرا ولكن ليس كل ما نرسمه نعرصه!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...