التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ليليان نمري مع "مس جورجيت" تخطف الكاميرا وتُبهر "ع إسمك" وتتفوّق



بقلم // جهاد أيوب
ببساطة، وبذكاء، وبأداء يُبرز خميرة الخبرة، وبثقة من دون أن تزعج الزملاء استطاعت الممثلة ليليان نمري في مسلسل "ع إسمك" أن تسرق الكاميرا والأضواء، وتقدم وجبة تمثيلية وليس دوراً عابراً، وجبة تفرض أن تنال عنها جائزة، وجبة تستحق أن نقف عندها، ونبرزها بحق لكونها قدمتها بشغف وبطفولة وبمسؤولية أن الفنان الحقيقي ليس شكلاً ولا عمليات تجميل ولا دلع وملابس بلا ملابس، الفنان هو المسؤول عن موهبة يمتلكها وتقدّمه الأفضل إذا أتيحت له الفرصة، وما أن تصله يقدّمها بذكاء حتى إبهار كل من حوله والمتابع له، وهذا يحدث مع قلة قليلة من أصحاب الموهبة، وهذا حدث مع القديرة ليليان نمري.
ومنذ سنوات لم تصنع الدراما اللبنانية شخصية كوميديانية تشكل الحدث، أو تصنع جدلية محببة عند الناس، ويردد ما تقوله من مفردات كما حال القديرة ليليان نمري في تجسيد دور "مس جورجيت" في مسلسل "ع إسمك"!
ومنذ سنوات لم يتفق العديد من اللبنانيين على متابعة شخصية درامية مركبة وصعبة في آن معاً، وهذا لا يتطلب دكتوراه من جامعات التمثيل أو معاهد التنظير بل يحتاج إلى موهبة، وموهبة مشرقطة تضيف على الدور ولا تقيّده بحجة النجوميّة، شخصية تغني الحوار ولا تقلصه بحجة فقر الموهبة، وتثري الكاميرا ولا تلغيها بحجة انفصام الشخصيّة من مشهد إلى آخر... إنها ليليان نمري بطلة في الكوميديا وبطلة في التراجيديا بلحظة، بلحظة تحسد عليها، بلحظة تأخذنا من هناك إلى هناك، وبلحظة في لقطة واحدة تبرع بالكوميديا وتبرع بالتراجيديا من دون أن تسجن نفسها بمساحة أكبر، بل بوقت صغير يجاوز الدقيقة تتفوّق مع الحالة!
ليس جديداً على ليليان نمري النجاح، والتفوّق كلما أتيحت لها فرصة في الدراما، صحيح قد يسبب ذلك الكثير من المحاربة والحسد والغيرة عند أبناء الكار، وربما قطع الرزق مع أن الرزق من الرحمن، وقد يخاف المنتج التاجر من الموهبة الواعية والخبرة فيعيق سنوات التوهّج، ولكن ومع كل هذه الأمراض والسموم نجد ليليان نمري تختزل كل سنوات الظلم وتعطي بإخلاص كما لو كانت في بداية المشوار الصعب، ومنذ لحظات انطلقت كلما أتيحت لها الفرصة!
في "ع إسمك" بدأت بقراءة الدور، ومن ثم قامت بتحضير الشخصيّة، وأخذت دورها بجدّية من دون أن تكترث إلى مساحته لنجد أنها تركت خلف الكاميرا جدليّة المشاهدة، ومن دون تكلف تصبح هي البطلة، والبطلة الأهم كما حدث في مسلسل "ع إسمك"!
هنا تلعب ليليان بمهارة ذكّرتنا بأدوار الزمن الجميل الذي عبر، لم تبالغ، ولم تتصنع، ولم تعتمد الصراخ، أدت بهدوء الصنعة خارج عقد الزمن وغرور الشهرة، وبالتزام مساحة الدور، وبخدمة ما يفيد مما يجعل من الحوار المشهد أكثر ثراء!
كل مشاهد "مس جورجيت" وصلتنا ببساطة وعفوية مع أنها لم تقدمها ببساطة وعفوية الصدفة كما يتعمّد غيرها، بل شغلت بجهود وقلق وهموم التميز، وتواضع سنوات فيها نضوج خميرة العمر التمثيلي، وفي البعد النقدي نجد حوارات جورجيت مدروسة ومكتوبة ومحاكة بمرونة استيعاب ما نفذ، وليليان هنا ابنة اللحظة رغم تراكم لحظات العمل، لا بل بعضهم صدق أن ليليان هي جورجيت شكلاً ومضموناً، وهنا قمة إبداع التمثيل عند الممثل الصحّ، الممثل الحقيقي، بمعنى أن ليليان ذهبت إلى "مس جورجيت" وتقمّصتها، تصالحت معها، وعشقتها حتى أنها استغنت عن ليليان فقدمت الكاراكتر المركب بأكاديمية تصورنا أنها حقيقية!
قرأت أدق التفاصيل، ومن الواضح أنها تعاملت معها بعشق، وبعمق، لذلك أخرجتها بحساسية التبسيط، وجدية العفوية، وكل ما هم المشاهد أن يستمتع، وهنا مع ليليان عفواً مع "مس جورجيت" أصيب المشاهد بالطرب أو التطريب!
غالبية مشاهد هذه الشخصية أعطت حق متابعة العمل، ومنها ما هو صعب عرف المخرج أن يلتقطها "وان شوت" وهذه لا تتم إلا مع أصحاب الخبرة أو أصحاب الموهبة الواعية، وبعض المشاهد كانت صعبة الأداء تتطلب قدرات لحالات مختلفة، مشاهد ليست عابرة، بل وجب الوقوف عندها، والتمتع بالأداء الجميل رغم صعوبته ومع ليليان يصبح سهلاً ممتعاً!
أكثر من مشهد يعتبر في علم التمثيل "ماستر"، السكر، وحينما حاول افتراسها الأستاذ الشاب والجميل، وحالات الغزل والعتاب والرفض والخضوع السريع لنظرات ولكلام العشيق... كل هذه الحالات بدقيقة تحدث، والمواجهة مع كارين، والديو الرائع مع الطفلة، والأهم ورغم تكرار حالة الحوار مع درباس تبدع ليليان في الحوار المشهد المكرّر، والانتقال من حالة إلى حالة مختلفة تبرع فيها خاصة حينما وقعت في شر أعمالها وسرقت مالها... وتتحفنا بأداء من ذهب!
ليليان نمري في "ع إسمك" استطاعت أن تنافس ذاتها، ومع "مس جورجيت" تفوّقت على "تفاحة" وعلى كثير من أعمالها السابقة، وكأننا نكتشفها من جديد، وكأن الدراما تنبهت إليها كي تكون بطلة، ويكفيها ما ظلمت، وما المانع بأن تكون الكوميديانية بطلة تخوض لعبة الدراما بكل حالاتها ومواقفها، وليليان قدّها وقدود!
إن تقلّب حالات الشخصية مع اختلاف طبيعة الموقف كانت مقنعة، ولم تأخذنا إلى الملل، ولم تفلت منها الشخصية للحظة كما يحدث مع غيرها ومع أسماء كبيرة بالإنتاج وليس بالموهبة، والسبب يعود إلى أن الشخصية بعد جهود مضنية أصبحت واقعية، وأعتقد أنّها رافقتها إلى منزلها، وهذا التقمّص يصبح تعباً، ويصيب الفنان بعبء المهنة... وهنا لا نحسدها على تعبها بالمطلق!
يُضاف إلى دراسة واعية لطبيعة الشخصيّة من كل النواحي، الفستان، الكرسي، الستائر، الجدران، بيت التلفون وحتى المظلة، والأهم المكياج الرقيق الحقيقي لزخرفة الشخصية والمنسجم معها، والرشاقة والرقص، والمفردات التي تتكرّر بكل الحلقات، وهذا يعني أن الشخصيّة محاكة ومحاطة بكل هذا التعب وهذه الزخرفة الصعبة والمسؤولة بعناية متعبة، والتي تتطلّب التركيز وسرعة التقاط ما تريده الكاميرا وما تتطلبه السينوغرافيا لآن "مس جورجيت" أصبحت هي السينوغرافيا بكل فصولها وابعادها، والأداء المجاميع.
يصبح سحرياً مع ليليان نمري رغم صعوبته، وصعوبة المسؤولية، ويوقعها بمشكلة الاختيار وماذا ستقدم بعد هذا الدور المتعة؟!
شخصية "مس جورجيت" المتطرفة إنسانياً، والمتطرفة في الكوميديا والتراجيديا معاً ضرورة في العمل رغم صعوبة تقمصها، ونهر كل الفكرة التي تمّت بأداء يحتاج إلى جهود مضنية، وجعلت لمشاهدها البحث عند المتابع حيث انبثقت من شرارة الأداء الجميل، وهذا يتطلب من الجهات المنتجة أن تستغل نجاح هذه الشخصية في عمل مستقل لا يتجاوز نصف الساعة أو عبر مسرحية خاصة بالشخصية مع إثراء مساحة الشخصية الكوميديانية أكثر، مسلسل أو مسرحية تكتب للشخصية مع قراءة درامية عميقة للحالة الاجتماعية والحياتية والنفسية، وليس خطأ أن نستغلّ نجاح الشخصية في عمل آخر مستقل والشواهد كثيرة!
ليليان نمري في "ع إسمك" بطلة بجدارة الخبرة والبساطة والسهل الممتنع، وشخصية "مس جورجيت" ستلازمها كثيراً عند الناس إلى أن تنال الدور الذي ينسينا مس جورجيت!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...