التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حينما الكبار يلعبون على المسرح الشعبي يحلق أحمد الزين



بقلم//جهاد أيوب
خرج من بين صفوف الناس التي جاءت لتشاهده، فرحوا به، وقفوا احتراما، وصفقوا تأكيدا على انه لا يزال نجمهم، طالت همروجة الترحيب، وطال انتظار خشبة المسرح له، الجمهور يريده ان يبقى على مستوى واحد معه، ولكن الاطلالة تتطلب الصعود إلى خشبة المسرح...
هو أحمد الزين بعد أن تنشق عطر الفن في ظروف صعبة في حينة، هو الذي شرب الموهبة كما شرب الصبر وماء البقاء، هو الذي اغتسل برياحين الأمل كلما اسودت مفاتيح اللحظات، هو الذي سهر بكد الانتظار حافرا في الصخر مسيرة مغلفة بالقلق والاوجاع، وصد الطعنات، وفسحة صغير فيها محبة ليوم جديد!
أحمد الزين صعد على المسرح الشعبي وعلى اكتافه حمل سنوات مضت، تناسى العمر والمرض، ولاح جسده مع نسمات الريح كلما صفق ضحك اعجب جمهوره، الجسد لم يعد ذاك الجسد، والعمر لم يعد في ربيعه، والصوت في حضور الموهبة القضية يرتفع، يلعلع راسما انفاس الناس.
خبرته جعلته يتحكم بحركته، وبايماءات نضراته ووجهه، ورغم انه امسك بكل تفاصيل الخشبة الصغيرة، النص المباشر، الحوار الصافع، ومغازلة من يشاهده بالاسم، وخبرة 50 سنة في الفن كانت مشبعة، ورغم شعوره هو بعودة شبابه كان شعورنا نحن المقربين معاكسا، نعلم بمرضه، وبأنه قبل صعود الخشبة تناول الدواء، وبأن البال يشبه حالنا، والجسد منهك يشبه الوطن!
راقبناه بقلق وهو يطير برشاقة، همهمنا بداخلنا خوفا وهو ينير الحكاية بنسمة لا يعرفها غير الكبار من أهل الموهبة الذهبية، سقط قلبنا عشرات المرات كلما سقطت قطرة ماء من عرق الجهد الذي يبذله تمثيلا، وهو غارقا بدوره حتى الثمالة، كأنه يقول لنا :"أنا احلق في ملعبي، وأكتب صفحاتي"...
وفجأة ازداد الخوف في لحظة محاسبته من تاريخ جده، شعرنا أن الممثل أحمد الزين يلملم لحظاته، وسقط على خشبة المسرح من الارهاق، لكنه بذكاء الممثل جعل من السقطة حركة تمثيلية موفقة فارضة على الجمهور الترحيب بالسقطة، ولا بل جعله يمعتقد أنه يجلس قرب تابوت الماضي...
بخفة طلب من شاب قريب الماء، والكل صعد على زاويته حاملا الماء...
هنا اصبنا بالخوف الجامح، فهمنا أنه لم يجلس من دوره بل من ارهاق التعب، وبسرعة البرق انتصب أحمد الزين مجددا كما لو أن الحدث حكاية بمشهد عابر!
هؤلاء الكبار نادرون، يغرقون في نهر النجاح، ويسبحون في بحر العطاء، يلجمون اوجاعهم كلما سمعوا فرحة المحبين، وابتسامة الناس، ويشعرون بالولادة من جديد كلما احيكت كفوف جمهورهم ترحيبا جديدا، وأحمد الزين هو من فرسان زمن الكبار، من ايقونات التعب في الفن حتى يسعدنا، ومن حاملي رايات تختلف عن الرايات.
شكرا أبو حسن لقد امتعتنا وانت في عمر التعب، واسعدتنا وانت تمتلك الحزن، وصفحتنا وانت الصافع والمصفوع لأنك تشبهنا، وتمثلنا، ومنا، وتحمل صورنا بكل تفاصيلها...
نعم يا أبو حسن لك طول باع في مشوار التعب والشوك، وخضت، وتخوض معركة اثبات الوجود في زحمة العنصرية والطائفية والحرب اللبنانية التي كانت ولا تزال في مفهوم المواطنية والعيش.
شكرا أحمد الزين لأنك لا تزال تضوي امسياتنا، وتشعلها حنينا، وبهجة، ودموعا...
*حدث ذلك في العرض الاول لمسرحية " المنجم" بدعوة من بلدية البيسارية، وعلى مسرح مفتوح في مدرسة البلدة، ولعمل من تأليف وإخراج محمد النابلسي، وبطولة القدير احمد الزين، وبمشاركة فؤاد حسن، ووليد سعد الدين، وهادي طراد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...