التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أسردها كي نتعلم من تواضع الكبار




هذا ما قاله الكبير عبد الحسين عبد الرضا عني خلال تجربتي في الصحافة الكويتية واعتذر... 
يتذكرها جهاد أيوب
ذات أمسية تلفزيونية، وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي باقل من سنتين استضاف الإعلامي والأديب عبد الرحمن النجار في برنامجه الحواري عبر تلفزيون الكويت الفنان البصمة التأسيسية في الابداع الخليجي والعربي عبد الحسين عبد الرضا، وسأله عن أي ناقد يتابع، وما رأيه بما يكتب في الصحافة الكويتية، وماذا يقول لهذه وذاك من الزملاء..."اعتذر من نشر الاسماء منعا لإحراجهما، لربما لا يرغبان باستذكار تلك اللحظة"...
المهم، اخذ عبد الحسين نفسا عميقا وقال: "الناقد جهاد أيوب احب أن اقرأ له، وهو الوحيد الذي يكتب النقد الحقيقي، يكتب الإيجابيات ومن ثم السلبيات، أو يتناول السلبيات في العمل ومن ثم الايجابيات، ولا يتناول الأمور الشخصية، وهذا ما نحتاجه كويتيا وخليجيا وعربيا"...
استغرب المذيع الرد لكونه كان يتصور اسما أخر، وبالفعل سأله عن زميل أنا احترمه كثيرا، وهو اكبر مني عمرا وتجربة، وكذلك سأله عن زميلة خريجة مسرح، وأنا اعزها جدا...فأعطى عبد الحسين رأيه بهما بكل صراحة وتجرد، وعاود ليقول:" انا تحدثت عن جهاد أيوب لكونه هو الناقد"... وانهى التصريح...
وما أن انهى كلامه حتى انهالت الاتصالات من كل صوب، أهمها اتصال رئيس تحرير جريدة "القبس" آنذاك، و التي كنت من فريقها النائب في البرلمان الكويتي فيما بعد السيد محمد الصقر قائلا بالحرف:" مبروك للقبس ولك أن يتحدث عبد الحسين عنك، فهو خلال مسيرته الفنية لم يذكر أي ناقد أوصحفي، وهو بالأصل كان لا يؤمن بوجود النقاد في الكويت، لذلك عليك بارسال باقة ورد بإسم جريدة "القبس"، وباقة ثانية بإسمك، وباقة ثالثة بإسمي، وباقة رابعة بإسم كل العاملين بالقسم الفني شاكرا رأيه الواضح والصريح، واعترافه بأنك من النقاد الذين يتابعهم...ولا اسمح لك أن تدفع ثمن الورد من مالك الشخصي بل ستجد المبلغ على مكتبك صباحا...".
وبعد أن اقفل الهاتف عاود الاتصال طالبا مني أن لا انسى أن ارسل باقة ورد مدونة بإسمي للمذيع عبد الرحمن النجار...
وفعلا، وبسرعة، ودون أي تردد اتصلت بمحل الورد، وطلبت تجهيز وارسال خمس باقات ورد كبيرة كما طلب رئيس التحرير لتكون في الصباح الباكر أو في هذه الليلة في منزل من ذكرهم.
والمفاجأة الأولى أن القدير عبد الحسين عبد الرضا يتصل بي مباشرة بعد خروجه من الاستديو، وكان هذا أول اتصال بيننا رغم أنني التقيته أكثر من مرة في "المسرح العربي"، و "مسرح الدسمة"، وأجريت معه أكثر من لقاء خاص...اتصل طالبا مني مسامحته لكونه ذكرني بالإسم أملا أن لا يكون قد سبب لي الازعاج ...
وأردف قائلا: " يا ابن لبنان الذي احب، يا ابن الجنوب الغالي أنا خلال مسيرتي الفنية لم أذكر أي صحفي، ولكن أنت أحترم قلمك، ولا تشكرني، ولن ازيد"!
يومها، اصبت بالدهشة والصمت، الدهشة من تواضع الكبار وأنا لي أقل من عامين في الكويت...والصمت لأن الكبار يعترفون بالنقد، ويتابعون النقد مهما كان قاسيا، ويتصلون قبل أن نتصل، ونحن نقوم بواجبنا...!!
شكرته، وطلبت منه أن نتواصل دائما فرحب، واعطاني رقمه الخاص، وانهى الاتصال...
انهالت الاتصالات من كل صوب أولها كانت من رئيس الاخراج في "القبس" أحمد صفاوي مباركا، وسعيدا بما قيل عني من هرم كبير، معلنا أنه بهذه المناسبة سيعزمني في الغد على الغداء تكريما لي...
اذكر في صبيحة اليوم التالي من الحلقة كانت سعادة جميع الزملاء في العمل لا توصف، وبالتحديد مدير التحرير د. أحمد طقشة الذي قال حرفيا :" هذه شهادة لك، وعليك أن تعتبرها شهادة تخرج من الجامعة، حافظ عليها".
وبالفعل تلك الشهادة من القدير عبد الحسين جعلت من لا يسمع بي أن يسأل ويقرأ ويتابعني، ومن يعرفني خاف من الغرور، ولا أكذب أنني شعرت بسعادة وبغرور لأكثر من اسبوع إلى أن تنبهت أن الغرور هبل وسذاجة، خاصة أنني كنت أعمل في جريدة غالبية من يعمل فيها من الاسماء المهمة في الصحافة العربية والمحلية، والغرور هنا لا ينفع...
واستمرت صداقتي مع القدير عبد الحسين عبد الرضا برباط الاحترام والثقة، وقد أجريت معه أخطر وأهم لقاء على حلقتين في حياته كما قال لي، ونشر في جريدة "الرأي العام"، والتي أصبح اسمها اليوم "الراي"، وادار الجريدة، واشرف عليها الزملاء يوسف الجلاهمة، وعلي الرز، وعلي بلوط.
وحينما غادرت الكويت لم تنقطع الاتصالات، والتواصل كان للدعم المعنوي لفنان تكالب عليه المرض، وهو اصر أن يبقى في الصورة مواجها ومحاربا ومتربعا على عرش النجومية، ومن أجل أن افتخر بصداقة الفنان الأهم...
عبد الحسين عبد الرضا واحة من كبرياء التواضع، وعنفوان الحسم، وطفولة المبدع، وعطاء الثري...رحل جسدا، ولكنه يبقى في ذاكرتنا ملكا في مملكة لن تغيب عنها الشمس...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...