التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ظاهرة الغناء الرجولي والتخت الشرقي

فهد بلان وعبد الفتاح سكر في لقاء نادر عبر إذاعة  BBC عام 1963

بقلم//جهاد أيوب

    في سهرة مميزة، لا تشعرك بالملل، وتتدفق فيه تنتزع المزيد من الاصغاء الممتع، و أمسية جميلة تغرف من ماضينا القديم حيث بدايات التجديد في الفن العربي، اكتشفنا ذاكرة كادت منسية لشخصية الفنان السوري فهد بلان والملحن عبد الفتاح سكر، وفي حينه شكلا ثنائيا هز الغناء العربي بما حملت اعمالهما من طريقة مغايرة، واعتبرا ظاهرة صاروخية، هاجمها البعض لطريقة ما تؤديه دون أن ينتقد الغناء الصحيح والاداء المتقن، وأخر صب جام غضبه على الاسلوب الجديد في الغناء العربي خارج ربطة العنق ورسميات المسرح، اسلوب غير متبع، وغير مألوف، أما الشباب العربي فجن جنونه في هذا النوع من الغناء الذي كان يفتقده ويشبهه، واعتبره ظاهرة الغناء الرجولي، والذي اوصل فهد بلان في حينه إلى الصفوف الاولى، والثراء الفاحش، والنجومية الساطعة، وجعله من نجوم الشباك لفترة في السينما العربية رغم تواضع افلامه انتاجيا وفنيا، لا بل اربك عرش من كان متربعا على الطرب في مصر ولبنان، وهوجم من قبل ام كلثوم شخصيا!

سجلت الحلقة في إذاعة BBC اللندنية عام 1963، وأطل عبرها كل من مطرب الرجولة وشاغل الإعلام يومها الفنان فهد بلان، والملحن السوري الشهير عبد الفتاح سكر ليتحدثا بعيدا عن التكلف بشفافية وخفة دم، وبصراحة، وطيبة، وقيمة نفتقدها في فناني هذا الزمن!

من الحوار الذي اعيد بثه منذ أيام اكتشفنا وعلى لسان فهد بلان انه بدأ منذ ست سنوات من العام المذكور أي في عام 1957 على يد مكتشفه، وداعمه الاول عبد الفتاح سكر، حيث تربطهما صداقة قديمة عمرها 16 سنة بدأت في الاردن!

غالبية الحديث كان مع الملحن سكر الذي اشار إلى أن الكلمة هي التي تحرك الملحن، وهي انطلاقة اللحن، وأشار ايضا، ودون تردد أو فزلكة وخجل إلى كيفية تعمد استخدام هذا النوع من الغناء الرجولي قائلا:

 "كنت أمل من نفسي حينما اتعامل مع الموسيقى الشرقية التقليدية، وأنا شخصيا تأثرت بالسيد درويش، وحينما اتتنا الفرصة لنطعم الموسيقى الشرقية بالحداثة قدمنا الرجولة،  وهذا الاداء كان مفقودا عند ذاك الجيل فأتى فهد بلان، وانطلقنا، وأنا اعتمدت على فهد في ايصاله".

واضاف سكر:" الموسيقى الشرقية بتختها الشرقي هي ما يريده منا الغرب، أي يريدها كما هي وليس بالتطعيم مع الموسيقى الغربية، ومن فعل ذلك لم ينجح كليا، بل بعضها نجح الى حد ما، أي حاولوا ...نحن لونا الموسيقي والغناء الشرقي بلون الرجولة المفقود، أي في الفرق الشرقية لا يوجد عضلات، ونكتفي بعضلات فهد بلان الذي يعطي الكلمة حقها، فقط الكبير وديع الصافي يستطيع ان يتحمل ذلك، وباستطاعته الغناء من دون فرقة موسيقية، وفي الحقيقة المطرب هو اساس التخت الشرقي."

ومن ثم أخذ عبد الفتاح سكر بالغناء لنكتشف أنه يمتلك صوتا جميلا، وبأنه بدأ مشواره بالغناء، لكنه حاليا يكتفي بالتلحين للمطرب بلان المعجب به حتى العمق، وبالفعل غنى موشح " أهل الهوى"، ولكن حينما غناها فهد بلان اختلفت كليا، فقد أداها بلان على طريقته الخاصة، وبأسلوب يشد السمع، قدمها بروح مختلفة كليا، فجملها واعطاها خصوصية.

وكشف بلان أن " أهل الهوى" فلكلور يمني، كان هو وسكر يسمعانها يوميا من بائعي السجائر اليمنيين العاملين في شوارع الاردن، بالطبع اللحن الحالي مختلف كليا، واليمنيون كانوا يؤدونها بشكل جماعي ومثير وجميل، وان سكر وبلان استخدما الكلام وبطريقتهما وبلونهما. 

كما غنى بلان " جس الطبيب نبطي"، واشار إلى انها اول اغنياته، وبأن الفضل في نجاحه يعود إلى التلفزيون، ونوع الاغنية، والتجديد المختلف وغير السائد، وقطعا الكلمة لها معنى ظريف، ومن ثم طريقته بكيفية الاداء.

فهد بلان شخصية فنية واضحة الحضور غير متصنعة، واثق من صوته، بحث منذ البداية عن نمطية تشبهه، وتخصه فنجح لكونه لم يقلد، وأثر ولم يتأثر!

وعبد الفتاح سكر مغرق بالشرق، ويفهم ماذا يفعل، لذلك شكل مع بلان أجمل ثنائيا حينما كان للفن مساحة للتجريب بعيدا عن الالغاء، والرفض القاتل، والقوقعة الشوفانية والقطرية الحاصلة اليوم!

رغم قصر الحوار، كان غاية بالمتعة خاصة بالعفوية التي كانت تقوم بها حوارات تلك الزمن، ورغم مرور77 عاما على انطلاقة BBC العربية إلا أن طريقة تقديم برامجها حتى الأن منافسة ومتابعة ومشوقة، والأهم الثقة التي تطرح من خلالها ماضيها وتسجيلاتها وارشيفها، وهو تاريخنا الفني دون أن تشوهه أو تزيد عليه، ويا ليتها تتعامل في السياسة كما تتعامل مع فنوننا وثقافتنا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كبرنا / بقلم جهاد أيوب

كبرنا كبرنا والعمر سكران...بقلم جهاد أيوب كبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا ومرق الحلم من هون من خلف منازلنا صار الحكي يوجع وصار الفكر يلمع يمكن النظر شح ويمكن الجسم رخ وضل قلبي يعن وعن حبك يعاتبنا ****************************** حلوت الحلوات ما عادت تذكرنا وربيع الزهر غاب ما سمع حكايتنا ******************************* اليوم اختلف المشوار وصار الصوت ختيار والقلب شو غدار ما عاد يغرد بسيرتنا ******************************* كل ما مرقت صبية كان يعذب فيني وصار يشرد محتار ما بيعرف شو في اسرار يا رب انت القادر الجبار زارع فينا سنين الغار تاركنا نسبح بالمشوار والشيب ع جدران الدار ونسقي حساسين الروح ونشرب المي من عطر مجروح وكبرنا بسرعة والزمن سبقنا والعمر سكران ع باب مخادعنا .

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات

• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً • يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي • كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية *       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار • حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله • أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب • الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي • أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به • لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا • المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا • علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعن...

ملحم بركات... موسيقار الفن يرحل موجوعا في غفلة الوطن

بقلم/جهاد أيوب  هو صاحب الموهبة المتوهجة.. هو خامة صوتية متدفقة.. هو يمتلك طبقات صوتية عالية ومؤدية باقتدار.. هو واحة من العطاء الموسيقي، والغنائي، والتمثيلي والكلام، والانتقاد... هو جدلية، رافضة، ومحبة، وعاشقة، وصاخبة يعطي رأيه ويدير كبريائه دون أن يلتفت إلى الوراء. إنه ملحم بركات صاحب التطرف في مواقفه، ولا يعرف المجاملة إلا إذا احب، حينها يلغي كل العيوب، ويصب مائه في خانة الدفاع عن من احب، أو العكس إذ لا مجال للحلول الوسط في مواقفه، ويصب جام غضبه دون تردد على هذا وذاك. ملحم بركات تصارع مع الموت، وتصارع مع البقاء في الفن متميزا، وتصارع مع الافضلية كي يبقى في الواجهة زعيما وحاكما في مملكته، ولا ضرر إن مد صوته لسانه السليط إلى مملكة غيره، لا يخاف من خطأ ارتكبه، ولا يكترث من حرب قرر خوضها، البعض اعتبره مجنونا في فنه وصراعاته ورأيه، وأخر اعتبره طيبا، أما أنا كاتب هذه السطور فاعتبره صديقا مزاجيا بامتياز، صافيا بانسانيته، ثائرا كلما شعر بالخطر بقترب منه ومن وطنه. عرفته في كل الظروف، عرفت اطباعه، وجادلته دون الوصول إلى تغيير رأيه، وبصراحة دائما في رأيه السياسي يصيب، ولكن ف...