التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سحر حضورهم ...العودة إلى فن الماضي مرض أو شطارة في القنوات المصرية؟!


بقلم // جهاد أيوب

أكثر من مئة فضائية مصرية تنتشر صورتها في فضاء العرب، وتخاطب فقط الجمهور المصري، وبمعظمها متشابهة في خطاب المنوعات، وفي الخطاب السياسي الموجه، ويكاد يشعر المتابع أن غالبية المذيعين يتحدثون بلسان موحد في الرسائل السياسية المباشرة للشارع المصري مع اختلاف بطريقة الصراخ، والتعبير العصبي، كما لو أن من يُخاطب غير مقتنع بما يسمع، أو للتأكيد على صوابية ما يراد إيصاله تسميعاً للدرس، ولكن!
نحن جيل ترعرع على الفن المصري، لذلك من الأمور الطبيعية أن نتابع قدر الإمكان القنوات المصرية، وإعلام المحروسة، وبالتحديد المتابعة الممتعة لقناة الذاكرة الذهبية " ماسبيرو زمان" فما تعرضه هذه القناة يعيد تصحيح الخلل الثقافي في الأدب، وفي الإعلام، وفي كل فنون الفن خاصة الغناء والتمثيل والتقديم!
تكاد تكون هذه القنوات متصالحة ومشتركة في بث الأعمال الفنية المتشابهة، وتحديداً الأعمال السينمائية، ومن خلال المتابعة المحببة لسنوات وجدت أن كل ما تقوم به على هذا الصعيد عرض للأفلام المصرية القديمة، وبالابيض والأسود بكثرة، ومن ثم الأعمال الملونة لنجوم مرحلة الوسط، والقليل من أعمال نجوم اليوم !
تعيش هذه القنوات على ماض جميل، على ماضي الفن المصري القديم، ويبدوا غير مقتنعة بكل ما لديها من جديد، أو جديدها غير مؤثر، ولم يعد لافتاً ومنافساً، وإلا ما معنى أن كل ما يعرض هو من تلك المرحلة، من ذاك الزمن، من جيل التأسيس المسؤول والشغوف إلى الفن من أجل أن يكون لدينا الفن المحوري والتأسيسي؟!
تقوم هذه الفضائيات، وبغالبيتها على عرض أفلام إسماعيل ياسين بالدرجة الاولى، ولا يمر اليوم وإلا مع أفلام إسماعيل التي تحمل إسمه ومغامراته، تبث كما لو كانت جديدة، هي مشغولة بالأبيض والاسود، والتعامل معها يعود إلى الذاكرة، و حبنا لتلك الذاكرة المرحلة دون تعمد، ودون إرادتنا، ولا تحتاج الأمور هنا إلى تنظير وفلسفة!
بعد أعمال إسماعيل تحضر وبقوة أفلام السيدة صباح بكثرة، وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش، ومن ثم ليلى مراد، وشادية، ومن ثم بعض أفلام ذاك الزمن ولكن ليس بكثرة كما حال من ذكرتهم من نجوم السينما الاستعراضية الغنائية.
تلك الأفلام هي ذاكرتنا، وأصبحت بمناظرها ومشاهدها وأناسها ذاكرة مصر بكل تفاصيلها، والغريب أن كل نجوم الصف الأول والثاني والثالث في حينه حاضرة، وبمحبة رغم رحيلها عن دنيانا، والأغاني والاستعراضات التي حيكت آنذاك مشعة، وتردد في الشارع المصري بمختلف أجياله وخاصة الأطفال!
بعد هذه الأفلام نجد أعمال فاتن حمامة أولاً تشرق دائماً، وفريد شوقي، وأنور وجدي، وهند رستم، ونعيمة عاكف، والثنائي الكوميدي فؤاد المهندس وشويكار، وماجدة الصباحي، وفيروز الصغيرة، وأحياناً عودة جميلة إلى زكي رستم، ونجيب الريحاني، وجورج أبيض وجيلهما رغم أخطاء تنفيذ بعض تلك الأفلام، لكننا نتعامل معها بشغف ومحبة!
وتكاد تكون كل أفلام عادل إمام هي الأكثر بثاً، ومن دون انقطاع يجاري بذلك أفلام إسماعيل ياسين، ومن ثم نور الشريف، وأحياناً أحمد زكي، ونبيلة عبيد، ومحمود ياسين، ونادية الجندي، وسمير غانم، وأما باقي هذا الجيل فنادراً ما تعرض أعمالهم، وإن عرضت فقليلاً!
أما بالنسبة إلى المسرح فنجد مسرحيات المرحلة المتوسطة، وتحديداً مرحلة حكم الرئيس أنور السادات وأوائل حكم حسني مبارك هي الرائجة، وتبث كثيراً، ومنها " العيال كبرت"، و"سك على بناتك"، و" وحقاً عائلة محترمة"، و" مدرسة المشاغبين"، و" الزعيم"، و" الود سيد الشغال"، و" ريا وسكينة"، وكل أعمال محمد صبحي، وسمير غانم، وما صور من مسرحيات نجيب الريحاني بالأبيض والأسود بعد رحيله!
على صعيد الحفلات الغنائية، تحتل أم كلثوم شاشات مصر، ومن ثم عبد الحليم حافظ، وصباح، وفريد الاطرش، ومحمد رشدي، وشادية، وشريفة فاضل، ونجاة، وبعض أغاني ما بعد جيل عبد الحليم خاصة هاني شاكر وعفاف راضي...
ومن البرامج الحوارية نجد أعمال المذيع طارق حبيب هي الأهم، وصاحبها مهذب، لبق، أنيق، ودائماً لديه الجديد، ولا يكرر نفسه، ولا برامجه، ولا ضيوفه، وأفكار برامجه جديدة، ومتطورة تصلح لكل زمان لو أعيد تنفيذها...
يشكل المذيع التلفزيوني طارق حبيب، وهو القادم إلى الإعلام من المحاسبة والمال وإدارة البنك، يشكل العصر الذهبي للإعلام المصري، ومدرسة في أخلاق المحاور النبيه والشاطر دون تكلف، ودون الثرثرة الفارغة عكس ما هو حاصل اليوم في قنوات مصر!
أن يقف العقل العربي عند الماضي دون خلق ذاكرة جديدة مؤثرة من الجيل الحالي فهذه مشكلة، وحالة مرضية مؤسفة تتطلب معالجة نفسية، وفكرية، وثقافية، وفنية، فوقوف زمن الفن العربي مع الماضي فقط يعني زمان وجودنا توقف، وكل ما نعيشه هو هدر للزمن دون بصمة، وحالات استهلاكية ليس أكثر!
نستمتع بماضينا، نتعلم منه، ولكن أن يبقى دون أن نطوره، ونتطور معه، ونواجهه بكثير من الإبداع المنافس يعني نعيش القحط!
كلامنا هذا ليس هجوماً على مداميك الفن الجميل الذي ذكرتهم، ولا يقلل من أهميتهم، ولكن أن نقف عندهم دون تقدم فهذا سيصيب الأجيال المقبلة بالانفصام، والعقد!
ملاحظة، ومن خلال المتابعة، أجد غالبية القنوات العربية غير المصرية تتعامل مع ماضيها الفني، وارشيفها بخجل، وعدم دراية، وبتجاهل فيه استغناء عنه، وهذه أيضاً من الأمراض التي لا تبشر الأجيال الحالية والمقبلة بالخير، وليست للأسف شطارة، الذاكرة مطلوبة كي نتعلم منها، ولكن أن نعيش فيها فيعني جمود الفكر الإبداعي !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أصواتهن وتجربتهن في الميزان النقدي الحلقة 6 من 8

جوليا بطرس وغياب المغامرة و نجوى كرم التخطيط المغاير بقلم\\ جهاد أيوب • صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية • تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث • تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً! • نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق • تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً • تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا! جوليا بطرس : صوتها (  alto ). صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً. وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر وتنو

الهوى إلك" على "إذاعة النور "...جرأة ومسؤولية متزنة

بقلم//جهاد أيوب ضمن شبكة البرامج الرائدة في المساهمة بالتواصل مع المواهب اللافته، واعطاء فرصة ليكون المستمع شريكاً في مساحة البث قدمت #إذاعة_النور الحلقة الاولى من البرنامج الثقافي الفني المنوع #الهوى_الك مع الزميلة المتجددة #نالا_الزين... الحلقة الاولى اصيبت بعنات بسيطة، ولا يمكن انتقادها من بداية البرنامج، وجرأة من "إذاعة النور" أن تقدم على هكذا نوعية من البرامج المنوعة وهي التي تسعى للتقارب أكثر وأكثر للمستمع بجدية وبمسؤولية، وتخرجها من بيت الشرنقة التي تتقوقع به غالبية الإذاعات العربية، لا بل تبعدها عن النمطية، وجمود الثرثرة الهوائية الفارغة الحاصلة في إذاعات لبنان! البرنامج يحتاج إلى حملة إعلامية أشمل وأوسع، والتواصل مع الجامعات والمدارس والمعاهد لضمان تميزه، وللمساهمة في صناعة مواهب شابة يحتاجها الوطن في الشعر، والكتابة بكل أنواعها، والتقليد والتمثيل، والرسم، والصحافة، وما شابه... تحية إلى القائمين على "إذاعة النور" للتفكير والتنفيذ لأفكار تقرب الشباب إلى الإذاعة بجدية بعيداً عن هجرتهم عن البث الإذاعي إلى الجلوس بالمقاهي لممارسة شرب الاركيلة، و

فضائح برنامج الدعارة المنزلية "نقشت" على  LBC

بقلم// جهاد أيوب هل أفلست الأفكار المحلية حتى نستمرّ بورشة جنون شراء أفكار غربية لبرامجنا الاجتماعية من دون أن تشبهنا أو تناسبنا وتتفق مع صوَرنا؟ هل نحن استهلكنا كلّ إيجابيات عاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا وتصرّفاتنا وخبرياتنا وحياتنا اليومية حتى تلاشينا في ساعة ضياع، وقرّرنا أن يكون الإنقاذ عبر تقليد غيرنا مهما كانت الظروف؟ هل نسعى ونبحث عن الشتيمة من هنا وهناك كي نبقى في الواجهة الإعلامية، وبالشتيمة نحصد الإعلانات، ومن الشتائم يحيا النجاح الإعلامي المرئي؟ هل فعلاً نؤمن بالإنسان فينا، ودورنا كإعلاميين أن نعطيه جرعات أمل كي يبقى في بلد لا نعرف كيف يسير، والمواطن فيه تائه بالعنصرية والطائفية والحلم المفقود؟ هل نحن نحن، أو نحن منذ سنوات لم نعد نحن، بخاصة في بعض الخطاب الإعلاميّ المبنيّ على إشعال كل أنواع الغرائز حتى لو كانت حيوانية بعيداً عن رادع يصحّح الخطأ، ويشير إليه بصواب يليق بالحياة، ولا يُشعرنا بعمر نسير فيه ونحن الأموات، وإلا ما معنى أن ننتظر من برنامج تافه مصيرَنا في اكتشاف سعادتنا يدعى «نقشت Take me out»؟ «نقشت Take me out» خبصة بحص جديدة في إعلام يزوّر وجوهنا أكثر ممّا نحن