
الأداء من الذكاء والصوت القوي قد لا يطرب
• اختيارنا لـ صباح وفيروز للدلالة على مرحلة حساسة في الغناء العربي
• سنتحدث عن أصوات متفاوتة وتحصد الشهرة رغم تواضعها
• انطلق الغناء عبر العصور من الدين والمعتقدات القديمة
• غناء اليوم ترفيه والأصوات الجميلة ممسوخة وممسوحة
بقلم\\ جهاد أيوب
ليس من الضرورة الصوت القوي هو ما يطرب في عالم الغناء، وليس بالضرورة أن يكون من أوائل الأصوات التي تغني بطريقة صحيحة، وقد يكون الصوت صغيراً، ومتواضعاً لكنه مثقفاً ومدرباً وجاهزاً ليلون ويطرب، وينطلق من نغم إلى آخر بطريقة صحيحة فيحدث انسجاماً مع إحساس ألمتلقي الذي يسارع لمزج ما شعر به بإحساس الفنان شريطة أن لا يقوم هذا الأخير بفعل الغناء، وبقدر ما يقوم بالغناء من جوارحه وشخصيته وانسجامه بما ينطق ويغرد يتفرد، ومع تراكم التجربة يصبح الأداء من الذكاء بعد أن استوعب مفاتيح اللعبة وأسرار المهنة!
نسوق هذا الكلام لنبرر بالشكل العلمي أن الأصوات التي اخترناها لنتحدث عنها ليست متشابهة، وليست بذات القيمة والمستوى والبريق، ولكنها حصدت، ولا تزال تحصد النجاح والجمهور رغم تواضع بعضها، وهذا لا يعني أهميتها لكنها تشكل مرحلة ظاهرة ليس أكثر، وقد يسأل البعض لماذا تم اختيار هذه الفئة وبالتحديد مع تلك التي شكلت ذاكرة وتاريخاً وبصمة، وكان معهم الكثير من الأصوات الجميلة والقوية والخطيرة أمثال سعاد محمد ونور الهدى ونجاح سلام و...ولكن ما اختيارنا للأسطورة صباح ولجارة القمر فيروز إلا للدلالة على مرحلة حساسة في الغناء العربي وبالتحديد اللبناني، وبالطبع الجميع يعلم أهمية التجربتين، وعدم منطقية مقارنتهما بالأصوات التي سنتناولها، وربما سيتناولها غيرنا في المستقبل، ولكننا اخترنا الإسطورة صباح كمدرسة وتجربة جامعة يتعلم منها الذكور والنساء في عالم الطرب والغناء والموال والاستعراض، هي بدأت من الصفر في صناعة الصوت بعد اكتشاف الخامة، ولا يوجد مطربة عربية لونت في الأداء كما صباح على الإطلاق ساعدها نفسها في لفت النظر، وقوة الأوتار ورخامتها وحنينها في معرفة استخدامه، وتقنية ولادة الموال على يدها، والمراحل الزمنية التي مر بها صوتها من الطفولة والصبية والشباب والخريف والكهولة، كله مرت به صباح مع صوتها ونجحت وتفوقت، وأبدعت، وانسجمت معه في مراحل شيخوختها رغم انتقاد البعض لها عمرياً، مع إنها تعاملت مع صوتها في فترة الشيخوخة ضمن الميزان الموسيقي السليم، وبطبقات محدودة وصحيحة!
وأما جارة القمر فالاختيار للسحر الذي فرض حضوره عبر صوت صغير ومع التجويد القرآني، والتدريب الصحيح، والاختيارات المتنوعة، وصناعة مساحة تليق به وثاقبة فرض أسلوبا مغايرا في الغناء العربي واللبناني يستحق التعلم منه، خاصة أن شخصية الصوت اعتمدت على فريق عمل يوجه ويحدد على عكس صوت صباح الذي اعتمد على التجربة بكل تناقضاتها، وقوة الخامة الصوتية مصحوبة بالشخصية!
وأردنا أن نخوض في غمار نقد الأصوات التي تغني، والدخول إلى بواطن الحنجرة ليس من باب فرض عضلاتنا، أو عقد تصيبنا من نجاحات الآخرين، بل لأننا نحب الفن، ونحب من في الفن، وليس تحدياً وتشهيراً، فوضع النقاط على الحروف مسؤولية، وهذه المسؤولية واحترامنا لقلمنا تطلب منا الذهاب إلى متخصصين في علم الصوت، ومنهم من يفقه في الموسيقى، أسماء كبيرة أخذنا برأيها بعلم وخبرة ودراسة أكاديمية أفادت ما نحن بصدده من أجل المنفعة العامة، وليتعلم المتعصب أن النقد ليس جهلاً بل هو قمة الحقيقة إذا اعتمد على اللغة الاكادمية والفكرية، والمنهج المنطقي في التحليل بعد أن أصبح الخطأ هو قاعدة الصواب، والصواب هو وجه التشويه!!
لهيب الكذبة
غناء اليوم ترفيه ليس أكثر، لذلك لا يهم التعلم، مع انه هو علم، وتقنية وتراكم تجارب، وتدريب، وهذا لم يعد متاحا عند طالبي الشهرة السريعة والمال السريع حتى لو كان على حساب الكرامة والشرف ( للأسف ليك وين بعدني)، والفن الذي لا يرتقي بالروح وبالفكر ويحرك الإحساس سيدمره غناء اليوم، أو تمتمة لا أصول فيها ليجعلنا نجزم أن غناء اليوم كذبة!
انطلق الغناء عبر العصور من الدين والمعتقدات القديمة، وحتى مناجاة الله يعتبر غناء، وكل الديانات تعتمد في توسلها النغم الغنائي، أم كلثوم رتلت، ومحمد عبد الوهاب وفيروز وشادية تعلموا كيفية تجويد قرآن ومخارج الحروف وأصول النطق، وعلم النفس، وصباح تتلمذت من خلال قراءة الشعر وتحديدا الزجل، ووديع كان يغني الصلاة منذ صغره، وأفاض في ترتيل القرآن، بينما غناء اليوم رغم وجود بعض الأصوات الجميلة هو ممسوخ وممسوح...فن الغناء ليس تمتمة بل أرقى طرق التعبير عن الروح كأنه صلاة!!
والأصوات التي سنلقي الضوء عليها هي: الأسطورة صباح، وجارة القمر فيروز، والسيدات ماجدة الرومي، وسلوى القطريب، وجوليا بطرس، ونجوى كرم، ونوال الزغبي، وكارول سماحة، واليسا، وهيفا
تعليقات
إرسال تعليق