التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فيلم واقعي غير مبالغ فيه يحصد الجوائز العالمية


"السر المدفون" يكشف مقاومة عائلة "كلاكش" 

ويحرر السينما


بقلم//جهاد أيوب

قليلة هي الافلام التي تناولت المقاومة وجهودها ببساطة، وبعيدا عن التكلف والمبالغات، ويأتي فيلم " السر المدفون" ليصفع ما قدم سابقا، ويحرر السينما النمطية التي تعتمد على العري والمبالغات والسخافة بحجة الجمهور عاوز كدة!

تم عرض الفيلم في سينما معلم مليتا السياحي، بدعوة خاصة وتكريمية لجهود الإعلميين والمجتمع المدني من القسم الإعلامي الممثل بالزميل أحمد منصور، وبحضور رئيس مجلس الإدارة الشيخ علي ضاهر.

القصة
قصة الفيلم نابعة من ارض الجنوب وحركة المجتمع المقاوم وحكايات المقاومين، نقلت بعيدا عن كذبة البعد الدرامي المقحم، والاضافات المبالغ فيها لتدعيم الحدث الذي دار ضمن سياق منهجي بسيط اعتمد الحقيقة، وفي الحقيقة الكثير من القصص التي حدثت وتساوي عشرات القصص المستنسخة والكاذبة، ببساطة احيكت القصة بواقعية مفرط حدثت مع عائلة " كلاكش" في قرية "دبين" الجنوبية، وتمثلت في علاقة أم لبنانية " انصاف عاشور-قامت بدورها كارمن لبس" بإبنها " عامر كلاكش الملقب بأبو زينب" الذي يبوح لها بسره قبل تنفيذه عمليته الاستشهادية عام 1985 بموقع إسرائيلي في بوابة المطلي، وتبقيه طيّ الكتمان لأربعة عشر عاماً، خلالها تبحث المخابرات الاسرائيلية وعملائها عن منفذ العملية دون جدوى، وعن سبب عشق كل اهل القرية لاسم أبو زينب، وفي سبيل الحفاظ على هذا السر، تشهد الأم على معاناة اسرتها، واستشهاد ابنتها نوال، واعتقال أولادها يعقوب وعادل من دون أن تقدر على كشف الحقيقة حتى تحرير الجنوب عام 2000 .
"السر المدفون" فيلم روائي يعتمد على سينما دراما الواقع، من إخراج علي غفاري، وبطولة كارمن لبّس، باسم مغنية، عمار شلق، يوسف حداد، وقام بدور الشهيد أبو زينب علي كمال الدين، والذي كشف سره للعلن السيد حسن نصرالله في احدى خطاباته، ومن ثم اعلنت والدته سرها لاسرتها.

الاداء
جسد باسم مغنية دور المعتقل عادل كلاكش بتقنية عالية تؤكد اهمية هذا الفنان الذي يستخدم البساطة في تعبيراته وحركة تقمص الشخصية، لم يبالغ، ولم يفبرك بل جاء الاداء منسجما مع الحدث وطبيعة القصة، خاصة أن ابطالها لا يزالون احياء، وهنا تكمن صعوبة الاداء والطرح، وقد ساعد مغنية صدق رسمه لملامح الشخصية قربه من الاجواء الجنوبية، وهذا يدعم تميزه.
كارمن لبس قيمة في الفن العربي واللبناني، دور الام الجنوبية المقاومة الصابرة ليس جديدا عليها، لكنها هنا قدمت الشخصية بذكاء، وبأداء ناعم لا تكلف فيه، وأذكر يوم افتتاح الفيلم، وبحضور عائلة كلاكش سارع الاعلام اللبناني والغربي المتواجد انذاك بسؤال ام الشهيد السيدة انصاف: هل ما جاء بالفيلم حقيقة، وكيف تحملت السر؟ ردت بثقة ان كل ما جاء بالفيلم كان اكثر من حقيقة، وهنالك تفاصيل اكبر واكثر، وكارمن جسدت فعلا ما انا كنت عليه من صبر وضعف وقوة، ولأن البلد أكبر منا تحملت السر..اعتقد بعد شهادة ام الشهيد يقف الكلام والنقد.
أما عمار شلق - لعب دور والد الشهيد أبو رياض - كان مقنعا، واثقا من مفرداته المصحوبة بأداء غاية بالروعة، انسجم مع طبيعة العمر وحركة الجسد، وابعاد انفعالاته، ويوسف حداد كان اكثر من ممتعا، ورسم معالم دوره بحنكة وذكاء دون تصنع، اما مهدي فخر الدين فوفق بحدود ما رسم له، وهذا الشاب يتقن ما يعطى له ويحتاج فرصة اكبر، وحسين مقدم لعب دور رياض موهبة جميلة يحتاج ان ينفلت من الشخصية الكوميديانية ويدخل اكثر بالتراجيديا في فهم الدور.
المفاجاة كانت الشاب علي كمال الدين، موهبة ناعمة بسيطة ذكية لماحة، اول مرة يلعب سينما واستطاع ان يتقمص الشخصية كما لو كان خبيرا، الاهم انه نفذها بتواضع وتهذيب دون فزلكات وما شابه، كان غاية بالاقناع والصدق.

اخراج
المخرج علي غفاري تعمد البساطة في كل خطواته دون تنظيرات اخراجية، وضع رؤية همها نقل الحدث من بيئته، وضمن اجوائه، ولم يركز على جماليات المنظر بقدر اهتمامه بأداء الممثلين الرئيسيين، عابه عدم تركيزه على تمثيل الصبايا وتحديدا نوال، الاداء هنا رفع عتب، حتى النص لم يكن ثريا بشكل عام، بل مختصر للحدث والموقف، المفروض التركيز على النص اكثر، وتعميق حواراته بالمفردات الجنوبية الطبيعية، ربما قصد التسويق، ولكن بما أن المخرج قصد البساطة عليه ان يكون اكثر فهما للحوار ونصه، يضاف إلى ذلك غياب المفردات البيئية في حياة الجنوبي من اثاث وصور وطبيعة المسكن المشهد، وفهم اكبر لاختزال الزمن والتاريخ.
العمل بما جاء عليه جميلا ينقصه التروي في حكاية السيناريو خاصة ان القصص ثرية وموجودة، واخذ الوقت في تنفيذ المشهد الجنوبي الحي، اي ما يقدم ليس من الماضي او الخيال، البلدة المنزل الشخوص الطبيعة موجودة!
لعب المخرج على اضاءة ناعمة خدمت الكادر وطبيعة المشهد، ونفذ عملية الاقتحام بذكاء دون بهرجة واندفاع وخفة، المؤثرات طبيعية وصلتنا كما لو كانت حقيقية، يكفي انه تعمد تغييب المبالغات، وهذا ما فرض نيله الجوائز في اكثر من مهرجان في فرنسا وايران، ومنها جائزة نيس في فرنسا وافضل اخراج وافضل ممثل، وجائزة افضل فيلم في مهرجان ايران..
المخرج نقل الحدثة ضمن رواية واقعية في قالب سينمائي روائي بعيدا عن تضخيم الواقع والتقليل والاستخفاف بالعدو، وهذا الذي يفرض الاحترام والنجاح، وايضا تغييب المبالغات في الاداء التمثيلي والتصويري يعطي مصداقية، اما تعمد المخرج لتغييب مشاهد القتل والدماء وما شابه فقد قدم مساحة للتواصل مع الفيلم وتعميق الخيال والدهشة.
الموسيقى التصويرية حاضرة، غنية خدمت حركة الكاميرا والمواقف، وساهمت في حشو بعض الفراغات في نقل المشاهد الليلية والتي على ما يبدو لم يكترث إليها المخرج لكونه ليس من ابناء البيئة، ربما حبه لبيئة المقاومة هو الذي فرض احساسة المرهف ونجاحه.
"السر المدفون" رغم ما حذف منه، وما تم الغائه بطريقة واضحة ولا نعرف سبب الغاء مشاهد واقع، ولم يحترم رأي المخرج بعملية الحذف والالغاء، ومع ذلك يأخذك من خلال 90 دقيقة إلى عالم حقيقي حدث ويحدث بعيدا عن كذبة لعبة الفن وتشويه الحقيقة يستحق ان يشاهد، انتاج الأرز للإنتاج الفني، نفذ عام 2015، المنتج مرتضى شعباني، نص محمود غلامي، و د. رضا إسكندر، مدير التصوير والإضاءة ميلاد طوق، الموسيقى التصويرية علي الموسوي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك تلفزيون لبنان ونبارك للزميل جهاد أيوب على تفوق حلقة "المجد ملحم بركات" وهذه ملاحظاتنا

بقلم// طانيوس أندراوس  ساعتان ونصف الساعة قضيناها مع أبو مجد دون ملل، لا بل رغبنا لو كانت أطول...وبعد النجاح الكبير ونسبة المشاهدة العالية لحلقة "الايقونة صباح" اعتقدنا أنها حلقة عابرة من تلفزيون لبنان، ومجرد خطوة مشرقة للزميل الناقد جهاد أيوب، ولكن بعد متابعتنا لحلقة "المجد ملحم بركات" وتلمسنا النجاح المتميز، ونبش ذاكرة بطريقة نظيفة خارج الثرثرة الإعلامية الفضائحية التي اعتدناها في العالم العربي وخاصة في لبنان لا بد من أن نبارك للتلفزيون الأم والأب تلفزيون لبنان، ونشد على يد الزميل الناقد المسؤول جهاد أيوب لنجاح فكرته في تكريم كبارنا. كل يوم نكتشف الذاكرة الذهبية الرائدة في أرشيف تلفزيون لبنان، أرشيف عرض في حلقة ملحم بركات بطريقة ذكية، غاية بالحساسية دون إلغاء أو تعمد، وببساطة شعرنا بتاريخ أبو مجد منذ البداية حتى رحيل، والعفوية كانت في أننا لم نشعر بالملل، وأصرينا أن نشاهدها في الإعادة أيضاً. أن يغامر تلفزيون لبنان في تقديم حلقات تكريمية دسمة بهذا الحجم عن كبارنا في لحظة سباق التنافس الفضائي اللبناني حول من يقدم برامج الفضائح والسذاجة يعني أنه الت...

هذه أصواتهن وتجربتهن في الميزان النقدي الحلقة 6 من 8

جوليا بطرس وغياب المغامرة و نجوى كرم التخطيط المغاير بقلم\\ جهاد أيوب • صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية • تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث • تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً! • نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق • تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً • تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا! جوليا بطرس : صوتها (  alto ). صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً. وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر ...

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت/ بقلم جهاد أيوب

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت "بونجور بيروت" وثائقي جورج صليبي يلملم ذاكرة تندثر • رسم الدهشة في صعوبة أحياء الروح من دمار الأفعال • الفيلم يصفع الفعل والفاعل والذاكرة والمذكور ويتركنا نتألم • عابه تطويل حوارات لا فائدة منها وشهادات شاركت في ذبح بيروت • موسيقى رائعة لـ جاهدة وهبي ونص متفوق والتقاط صورة ناطقة • مشاركة الفنان أسعد قيمة ومونتاج ذكي في مزج الماضي مع الحاضر بقلم||جهاد أيوب        حينما نخاطب الذاكرة نكون قد ضمنا نصف النجاح، ولكن النوايا الحسنة قد لا تصنع التميز رغم العاطفة المتدفقة بحق الماضي الذي يسجن في كلمة" الماضي الجميل" حتى لو كان قبيحاً، لذلك مجرد الانطلاق للحديث عن تاريخ لا يزال حياً نكون قد وقعنا في المحظور والقلق والخوف من النقد المباشر والرفض قبل المشاهدة والتنفيذ، وهذا ما أصاب فكرة انطلاقة فيلم " بونجور بيروت" للزميل الإعلامي والمخرج جورج صليبي، وايضا اصابنا نحن أبناء بيروت وأهلها ومن عايشها ويعرف تفاصيلها الدقيقة، ورقصنا مع زواريبها وشوارعها وعانقنا قصورها ومنازلها، وخاطبنا طيورها وشجرها والوان نو...