ثاقبة، هادئة، واثقة، سريعة البديهة، حاضرة في رد الحوار، ناعمة لكنها لا تنكسر، هي إعلامية مذيعة مقدمة نشرات الاخبار دون تكلف تدعى سمر ابو خليل.
سمر من جميلات الشاشات العربية وتحديدا اللبنانية منها دون تصنع أو تعمد، لا تتصارع مع الاضواء في زمن كذبة الميديا، ولا تتخاصم مع ذاتها في زمن المنافسات غير الشريفة، ولا تتعمد استعراض ادواتها كي تحصل على صراخ ضيوفها، وتعارك المفردات، وتحطيم الكراسي كي تصبح حديث الإعلام، ولا يهمها ان تضع زائرها في زاوية لا يحسد عليها من أجل شوشرات التواصل الاجتماعي، أو تناول اسمها برخص لا فائدة منه، هي تعلم ذوبان الزوبعة بسرعة استهلاكية لا تترك أثارها في ماء الحقيقة او بما تبقى من حقيقة في إعلامنا!
مختلفة في طريقة الحضور أمام الكاميرا لا ترتدي ما يزعج المشاهد أو ولا تكثر من العري الجسدي رغم تمكنها من تعرية ضيفها بهدوء بعيدا عن التعمد أو أنا هنا وأنت تكملة عدد، ثاقبة في احترامها لكونها إعلامية تمتلك الكثير من أسرار الساسة وخصامات متصنعة، لذلك تدرس ضيفها ومحاورها ونقاط الضعف والقوة فتنطلق ثاقبة تصيب الهدف الذي ينتظره المشاهد التائه الحزين المنهك، وواثقة من ادواتها تعرف مدى قيمة الكرسي الذي تجلس عليه ومتى " تحركش " بعلوماتها حتى تضع نقاط ضيفها على حروف حقيقة يتجمل فيها، ويتكاذب عليها.
سمر في حواراتها تجدها سريعة البديهة إذا وقعت حادثة طارئة، أو فجر ضيفها قنبلة سياسية ملغومة بمعلومة تحرك جمود السياسة المحلية، وترد كمحاورة الشيطان إذا صب مضيفها هجوماته على من يخالفونه الرأي فتسارع بتذكيره بما قاله سابقا أو بتحالفات اللحظة المستجدة، لا تجامل على حساب المعلومة، ولا تقع أسيرة المصلحة الذاتية رغم حراستها لسياسة قناتها دون ان تتباها بذلك، وبصراحة في هذا المجال تقترب من مدرسة الراحل خميرة الإعلام رياض شرارة.
لينة، هامسة وطرية، ومطواعة لا تعرف الخنوع، وحادة دون تجريح أو ادعاء بعضلات فارغة المضمون والقوة، قوية بأنها لا تبحث عن بطولات من رغوة الصابون بل تنبش عن "سكوب" يشار إليه وتتناقله المسؤولية، لذلك نجد ضيفها يختلف معها ويصبح اضافة بينما مع بعض غيرها مجرد ثرثار يحدد سير الحلقة، ومعها بهدوء وبساطة مصحوبة بابتسامة غامزة مع ضحكة خبيثة تأخذ المحاور إلى أخر سؤالها، وإلى حيث يرتاح ليدلو بدلوه المليئ بمعلومة وبتصريح قد يسأل نفسه هل هو من قاله؟!
غريب أمر قناة "الجديد" وغيرها من فضائيات في لبنان حيث تفسح المجال لدخيلات الإعلام، وتبرزهن في برامج خاصة وهن لا يمتلكن الف باء التقديم، ولا يعرفن أصول النطق امام الميكرو، وعلى خصام مع لغة الضاد، وهمهن ارتداء ما يشبه الملابس امام كاميرا غبية تلتقط فضيحة الجسد وهبل الصوت وسذاجة الحوار، وخواء بكلة الموضوع..بعض فضائياتنا تتعمد ذلك الحضور، وتبعد المذيعة الواعية والمثقفة، والباحثة عن الجديد في تقديم قيمة لا تقديم قمامة مع ضحكة من دون مناسبة، وسمر ابو خليل من الوجوه التي تحتاجها شاشاتنا وبرامجنا الحوارية اليوم وبثقة!
نعم نحتاج إلى برنامج حواري لا عنصرية فيه، ولا ثرثرات فاقعة فارغة فاجرة تصيب الشارع بالفوبيا وبفقر الوطنية، نحتاج إلى برنامج يديره إعلامي ليس طرفا أو منافقا أو دجالا أو محسوبا يزيد صراعاتنا السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية والاجتماعية تشرذما ودماء وانقساما، نحتاج إلى برنامج فيه مذيع يحترم عقولنا ووطننا وما تبقى من وطنيتنا والإنسان فينا بعيدا عن تكاذب الموقف، وتسجيل النقاط، وراتب من تحت طاولة الوظيفة، نحتاج إلى برنامج مذيعه لا يعتمد على الإضاءة والبهرجة والديكور العشوائي الملون بحجة العصر، بل يعتمد عن المذيع المثقف الملم والواعي لدوره وهذا موجود بقلة قليلة من إعلاميينا، ومنهم سمر ابو خليل.
نعم..لماذا لا تنال سمر بعد هذا العمر في تجربتها، وبعد هذه الخبرة، وهذا الوقار وصولا إلى ايمانها بالوطن ومقاومته وان إسرائيل هي العدو الحقيقي لأمتنا البرنامج الحواري الهادف، وهي المشهود لها بالبساطة واحترام المربع ومن يتابعه.
سمر لا تؤمن بتلميعات البرامج وتكلفتها المادية، مجرد برنامج بسيط ومتواضع الامكانيات المادية، وحرية الطرح والحوار واختيار المواضيع سترفعه سمر ابو خليل من خلال إدارتها له إلى المراتب الاولى..لماذا؟
السؤال هنا مشروع، والجواب يكمن في أننا تعبنا من برامج ومذيعي الفتنة، والشحن الحزبي السياسي الطائفي، والدجل الوطني الممسوخ بحجة لعبة الميديا والفهلوة والشطارة العوجاء، والتسابق إلى الشتيمة وتكفير الاخر وطنيا ودينيا وفكريا..كل هذا سمر ابو خليل تعرفه، تتململ منه لكثرة مشاهدتها له عند الاخرين، كل هذا تدركه سمر وهي تلعب على عكسه في مساحة ضيقة لكنها لافتة، ومن حقنا وحقها أن يكون لها مساحة أكبر كي تدلو بإعلام نظيف، أو بعضنا يجده الانظف.
لا معرفة شخصية بيني وبين سمر، بل كتابة من ناقد مراقب ليس أكثر.
تعليقات
إرسال تعليق