التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في حوار العمر رفض أن يعود شابا... وراض بما حققه من نجاحات


• رفيق سبيعي  لـ "جهاد أيوب ": بسبب الفن تنكر أهلي لي وعشت معاناة وظلما ً


• يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما في حياتي
• كان يطلق على الفنان في السابق كلمة"كشكش" وبسخرية
*       نهاد قلعي أسس الدراما السورية وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار
• حققت بعض أحلامي لكنني لم أصل بعد وهناك الكثير لأفعله
• أقول لجيل الشباب ألا يستعجلوا فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب
• الإذاعة هي المفضلة عندي لأنها تعتمد على التحدي والتعبير الصوتي
• أعيش شخصية الطفل ولم أندم على ما قمت به
• لم أجامل على حساب اسمي و رفضت دورا في"باب الحارة" رغم حبي لـ بسام الملا
• المطربة صباح من زمن لا يعوض وساندتنا دون أن تجرحنا
• علاقتي مع دريد لحام فاترة مع أنني أحترمه كشخص وكفنان
هذا الحوار أجريته مع الراحل رفيق سبيعي في دمشق 2010، غمرنا بشرف الزيارة، وأنعشنا بكلام نتعلم منه، حوار أصر أن يقول عنه :"حوار العمر"،  تحدث فيه عن أمور كثيرة، وساعتان من الكلام المباح والجميل دون أن يجرح الآخرين، أو ينتقد من عمل معه، كان كما عهدنا به صاحب الشخصية المجبولة بالعنفوان، إنه "أبو صياح" الشهم... حوار رقيق شفاف وممتع فيع دروس للأجيال الحالية والمقبلة.
حاوره|| جهاد أيوب
* عندما يختلي رفيق سبيعي بنفسه، ويعود بذاكرته إلى الماضي، ماذا يبقى من رفيق سبيعي، وماذا يبقى من أبو صياح، وماذا يبقى في الذاكرة من أناس رحلوا ومن أناس تلتقي بهم من جديد؟
- دائماً لدي بيني وبين نفسي خلوات أعيشها، لكن أكثر ما أتذكره في هذه اللحظات، كيف بدأنا؟ ماذا كان حلمنا؟ وكيف استطعنا تحقيق هذا الحلم؟ فبرأيي أن الحلم تحقق، فأنا كنت أحلم أن يكون للدراما السورية والفن السوري بشكل عام شخصية واضحة في الوطن العربي، لأنني  أعتقد أصلاً أن المسرح العربي بدأ من هنا من هذا البلد، وإذا أدت الظروف إلى أن يندثر نتيجة تقاليد بالية أو ضغوط مورست على الناس الذين حاولوا أن يصنعوا مسرحاً في بلدنا، فهذا لا يعني أن المجد الذي من المفترض أن تحصل عليه سورية والتي حصلت عليه الآن يجب ألا ينسى أن الأساس نشأ من عندنا، فمن تاريخ المسرح الحديث أقرأ دائماً وأعرف المعاناة التي عاشها من أراد أن يصنع مسرحاً من أمثال يعقوب صنوع، وأبو خليل القباني، فأنا أعتبر نفسي امتدادا لهذا، لأن معاناتهم نفسها من الظلم والاضطهاد الذي قد يكون أكبر قليلاً من معاناتنا إلا أننا أيضاً عشنا معاناة من نفس النظرة الاجتماعية التي كان ينظر بها إليهم لدرجة أهلي تنكروا لي .
• وهل تجد روحك الإنسانية بتاريخك، بالماضي والحاضر وما سيأتي؟
- نعم، أنا تربَّيت في بيئة دينية، وأنا ألفت كتاباً من سيرتي الذاتية اسمه "زمن الحب" وذكرت فيه كل ذلك، أما الآن عندما أرى الشباب يحصدون الجوائز أشعر أن هذه الجوائز تخصني وكأني أنا من يحصل عليها، فلولا استمرارية هذا الجيل الذي لم يبقَ منه سواي لانقطع حبل الفن، حكمت محسن، صبري عياد، محمد علي عبده، وهؤلاء الناس الذين جاهدوا وكافحوا وامتهنوا الفن في الوقت الذي كانت فيه كلمة فنان تعتبر شتيمة، هؤلاء عاشوا وقدَّموا كل ما عندهم وماتوا ولم يأخذوا معهم أي شيء، لذلك روحي في تاريخي وتاريخ بلادي وبكل ما نقدمه في الحاضر للمستقبل.
الأهل
*  كيف استطعت إقناع أهلك بالفن؟
-    حتى آخر لحظة  لم يقتنعوا، فمثلاً، ذات مرة كنت في بيت أهلي أشاهد التلفزيون مع والدتي، وإذ بأغنية لي على الشاشة، فحاولت مراقبتها ومراقبة انفعالاتها، فسألتها كيف ترين مهنتي الآن، فقالت لي يعني لا بأس لكنني مصرة أنك لو قمت بأي عمل آخر لكان بالتأكيد أفضل، وماتت وهي مقتنعة بهذه الفكرة، وهذا طبعاً يعود لبيئتها وتربيتها.
*   وهل تقبَّل المجتمع مهنة الفنان؟
-   أنا برأيي هذا يقسم إلى مراحل، المرحلة الأولى هي عدم قبولها بتاتاً لدرجة أن أبي كان يلاحقني ليعرف أين أعمل، ومرة كنت أعمل كملقن مع الفنان عبد الطيف فتحي، ولم أكن اظهر على الخشبة، وهناك من أخبر أبي بذلك، فلحق بي وسحبني من يدي أمام الفرقة كلها وقال لي: " شو رح تعمللي كشكش؟؟" وكان يطلق على كل ماله علاقة بالفن "كشكش"، ولكن أبي كان مرناً أكثر من أمي، فعندما تجاوزت الثلاثين، وبدأت أعمل في التلفزيون، و أخذت أبي إلى السينما لأول مرة وأصبح يراني على التلفزيون فتقبلني قليلاً !
*   اليوم ابنك ممثل ومخرج، فهل أحببت أن يسير ابنك على نفس طريقك، أم كنت تفضل لو أنه بقي خارج هذه اللعبة؟
- حقيقة أنا لم أجبر أي ولد من أولادي على القيام بعمل أردته أنا وهو لم يرده، لأنني أنا عانيت، فعندما أردت أن أمتهن الفن رفض أهلي، وكنت أعاني من هذا الرفض حيث لم أكن أستطيع دخول البيت بوجود أبي أو إخوتي، فانطلاقاً من معاناتي الشخصية عندما يأتيني أي من أولادي ويقول لي سأقوم بهذا العمل فأجاوبه: اعمل ما تريد وتحمل أنت المسؤولية، فأنا، لي أن أرشده وأنصحه وهو في النهاية يقرر ما يريد، فأنا لدي ولدان يعملان في مجال الفن هما عامر، و وسيف.
* من طفولتك حتى انطلاقتك في الفن ما الذي لا يزال في ذاكرتك، وما أكثر ما يؤثر بك؟
-     الحقيقة ليس هناك صورة واحدة  بل العديد من الصور ، الأولى هي أنني عندما بدأت كنت أغني، وعندما كنت طفلاً لم أتجاوز العاشرة كنت أتقصى عن الأفراح التي تقام في الحي، وكنت أحضر هذه الأفراح وأجلس في المقاعد الخلفية وأتقدم كلما فرغ صف أمامي كي ألفت انتباه العازفين في الفرقة وأدعى كي أغني على المنصة، فكان لدي دائماً طموح كي أبرز، وهذا يذكرني بـ الممثل باسل خياط، الاحظ أنه يحب الغناء كثيراً، وعندما سألته قال لي: "أنا أتمنى أن أفرغ الطاقة التي في داخلي وأغني"، فتذكرت طفولتي، وكم كنت أحاول أن أبرز لأري الناس أنني أغني، لذلك شجعته على أن يغني، وطلبت منه أن يصعد على المسرح ويغني وهكذا فعل.
*  أتذكر ماذا كنت تغني؟
-   أذكر فيلماً لـ ليلى مراد مع عبد الوهاب اسمه "يحيا الحب" كانا يغنيان فيه معاً "يا دي النعيم اللي أنت فيه"، وكانت هناك أغنية رومانسية جداً، وحتى الآن عندما أسمعها أتذكر طفولتي، وهي "يا ما أرق النسيم"، فعندما أسمعها أعود ستين عاماً إلى الوراء، وأذكر أنني عندما كنت في المدرسة أكثر ما كنت أحفظه هو الأناشيد والأشياء الغنائية، وكنت دائماً كي أكتب الواجب اليومي يجب أن يكون "صندوق السمع" موجودا والأسطوانة تدور، وعندما تقف الأسطوانة تقف معها يدي عن الكتابة، فعندما تنتهي الأسطوانة تقول لي أمي اكتب أقول لها "دقي" ... ( وهنا طلبنا منه أن يسمعنا ما يحب من الغناء الجميل فغنى بكل تواضعه الكبير).
الحلم
*      هل لا زلت تحلم؟
-  لاشك أنني أحلم.
*  بماذا تحلم بعد أن وصلت إلى هنا؟
-   أنا لا أعتبر أنني وصلت لأنني لو صدَّقت أنني وصلت لانتهيت، وأنا لا أحب أن أشعر بذلك فأنا لم أصل لما أريد بل أريد أكثر، فأنا حققت جزءاً من حلمي وبأن أصير أكبر وأصبح مشهورا أكثر، وأشعر أن هناك الكثير لأفعله.
*  مثل ماذا؟
-  هناك شيء في داخلي يتردَّد دائماً، هو المسرح الغنائي، لأنه يجمع كل الفنون من ثقافة وأدب وشعر، صورة وفكر، فأذكر في عام 1960 أوفدت إلى بعثة لدراسة الإخراج الإذاعي، فأقمت في مصر لستة أشهر خلالها حضرنا العديد من العروض، من جملتها أوبريت اسمها "يوم القيامة" وكانت من ألحان "زكريا أحمد"، وعندما حضرتها مع زملائي، رأينا كل شيء حيَّا أمامنا من فرقة موسيقية وفنانين... ومن شدة تأثري وقتها لم أستطع منع نفسي من البكاء، ولاحظ زملائي دموعي وسألوني: لم البكاء؟ كنت أتمنى لو أن ما أراه أمامي يكون من إنتاج بلدنا، وأنا حتى الآن أحاول أن أساهم في تقديم كوادر تستطيع القيام بمسرح غنائي بمعنى الكلمة، ونحن لدينا طاقات وخامات، لم لا نستفيد منها ونقدم مسرحا غنائيا، وهذا أيضاً يذكرني بباسل خياط.
* هل تعتبر "باسل" امتدادا لك؟
-  هو وكل الشباب، فيمكن الاستفادة من هذه الطاقات لتقديم مسرح غنائي جاد وهادف، فهذا هو الحلم الذي لا زال يراودني، فرغم أن الدراما السورية وصلت إلى مراتب متقدمة، لكنني أتمنى أن أرى مسرحا غنائيا يصدح.
* من تتطلع به حالة خاصة في الفن السوري؟
- عباس النوري، وما دام هذا الفنان حيا الدراما السورية بألف خير، مثقف، واع، ومدرك لأهمية الفن السوري وحاميها، يكتب بذكاء، ويؤدي بمقدرة مهمة يذكرني بشبابي.
*   أنتم كجيل أكبر أو كرواد، ماذا فعلتم لتحقيق ذلك؟
-    نحن دائماً نسعى، وأنا الوحيد المتبقي من هذا الجيل، لكننا دائماً كنا نعتبر أن المسرح الغنائي هو أبو المسارح فهو يجمع المُشاهد من الأمي إلى أكبر مثقف، فأعمال أبو خليل القباني حوت أدبا وشعرا وثقافة وفهما ومعالجة للأسطورة بشكل محدث، فهو كان يجمع كل هواة الثقافة في مسرح واحد، ولكنني أعتبر أن هذه المهمة في الأساس هي مهمة وزارة الثقافة فكل المقومات موجودة ولكنها لا تطبَّق.
*  ألم تحاول أنت أن تقدم مسرحا غنائيا؟
-    حاولت، لكن هذا النوع  بحاجة إلى إمكانيات مادية كبيرة أي بحاجة لجهة تتبناه، لذلك أنا أضع اللوم على وزارة الثقافة، فطالما لديها المقومات، لم لا تقدم مسرحا غنائيا.
الإذاعة والسينما
*   ما أكثر المحطات المؤثرة في حياتك؟
-  أكثر ما أثر بي هو عندما أهلي اقتربوا من الاقتناع بأن ما أقوم به هو عمل مشرِّف، فأنا أذكر أنني عندما أتيت إلى والدتي عام 1960 وقلت لها أنا ذاهب إلى مصر، فسألتني: "من أين لك ثمن تذكرة الطائرة"، فأجبتها: إنني موفد من قبل الحكومة التي تتكفل بمصاريفي، فدهشت، وأذكر أن تلك كانت هي المرة الوحيدة التي ودَّعتني أمي في المطار، فوقتها فقط عرفت أن ما أقوم به له أهميته لكون الحكومة تبنَّتني، فأعتبر هذه محطة مؤثرة، وعندما دخلت المسرح القومي وشاركت في تقديم عدد من المسرحيات المهمة في بدايات المسرح القومي أيضاً من أهم المراحل، وكذلك عندما عملت كمخرج إذاعي، وأعتبر أن  يوم اعترفت بنا الدولة كفنانين كان يوما مهما، و نقلة في حياتي، وقتها اعترف بنا المجتمع، وهذا يعني أننا حققنا الغاية المنشودة التي كنا نسعى لأجلها.
* لو أردت أن تقول جملة سريعة عن الدراما المحلية ماذا تقول؟
- نهاد قلعي أسس الدراما السورية، وأنصح دريد لحام بالعودة إلى شخصية غوار الطوشة.
* ماذا تقول لجيل الممثلين الشباب الذين يحققون النجاحات؟
-  أقول لهم ألا يستعجلوا، فالشهرة جاءتهم على طبق من ذهب، فعليهم الآن أن يحسنوا اختياراتهم، فأنا هذا العام تفاجأت في رمضان أن ممثلا ما مشارك في سبعة مسلسلات في آن معا مثلاً، فكيف استطاع أن يدرس هذه الشخصيات المختلفة، ويعطي لكل شخصية حقها؟ فأنا أطلب من الممثل أن يحافظ على نفسه، ويحرص على ظهوره.
* عملت في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة وغنَّيت، ما هو المفضل لديك من بين هذه الفنون؟
- الإذاعة، لأن فيها تحد، فعندما تنتفي أدوات التعبير كلها ويبقى الصوت المعبر الوحيد عن الشخصية وعليه أن يقنع المستمع بالشخصية، والإذاعة برأيي هي التي تعلم الممثل كيف يعيش الشخصية على المسرح وفي التلفزيون، وتبقى الإذاعة بالنسبة لي هاجسا، فأنا أحب الميكروفون، وأشعر أن الفنان يتحدى نفسه في الإذاعة، فعليك أن تفعل بصوتك.
* حدثنا عن تجربتك السينمائية، هل تعتقد أن ما قدمته في السينما يوازي ما قدمته في المسرح والتلفزيون؟
- في بداياتنا كنا نستغل السينما للانتشار، وبالتالي لم نقدم أفلاما على المستوى المطلوب أما عندما تغير الوضع لم يعد يهمني أن أشارك أي اسم مشهور في فيلم كي أظهر، لكن لدي أفلام عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أعتز بها مثل "الشمس في يوم غائم"، و"أحلام المدينة"، و"الليل"، وفيلم قمت فيه في الجزائر لكنه لم يعرض واسمه "سفاري"، وهناك "قتل عن طريق التسلسل"، وهذه تجاربي السينمائية التي أعتز بها.
* ما الذي ندمت عليه في مشوارك الفني؟ وما الذي قمت به لأجل المال؟
-   الحق يقال لم أقم بشيء وندمت عليه، وأنا لازلت حتى الآن أعيش شخصية الطفل، لأنك إن خرجت من شخصيتك البريئة ستتعب كثيراً في حياتك، ولا أذكر أنني قمت بأي شيء لأجل المال.
* ومن أجل المجاملة؟
- لا أذكر أنني قمت بأي عمل مجاملة، ومؤخراً عرض علي المخرج بسام الملا دوراً في "باب الحارة" ولم أقبله رغم أنني أحترم بسام كثيراُ وأحبه وهو يقدرني جداً، لكن الدور لم يعجبني، ولم أشعر أنه يضيف أي شيء لي، فعندما تريد أن تقدم أي شيء يجب أن تقدم الأحسن والذي يضيف لك، وعندما قرأت دوري في "باب الحارة" وجدته أقل شأناً من دوري في "ليالي الصالحية"، رغم أنني أغريت مادياً وأدبياً لكنني رفضت، فأنا لا أجامل في العمل.
*  رفيق سبيعي أحد أهم القامات الفنية في سورية، وهو ضمانة للحركة الدرامية في سورية جراء ما حققته من نجاحات، هل تقول لنفسك لو يعود بي الزمن وأبدأ في خضم هذا التقدم، بمعنى آخر هل تحسد جيل الشباب؟
- لا أحسدهم لكن أقول: "هنيئاً لهم بما وجدوه من فرص وجو عام أتاهم على طبق من ذهب"، ولكنني لا أحب أبداً أن أفكر بأن أعود شاباً، فما الذي أدراني أنني إذا عدت شاباً سأسلك نفس الطريق وألاقي نفس النجاحات، من الممكن ألا أصل لما وصلت إليه، وأنا حقيقة راضِ عما أنا عليه، وأنا لدي إحساس بالانتصار، ليس انتصارا شخصيا بل انتصار للفن لأنني عندما عملت بالفن كان الفن والفنان مضطهدين، فأنا انتصرت على المجتمع الذي رفضني، لكن أتى اليوم الذي جعلني أشعر بقيمتي أكثر مما لو أنني عدت لأبدأ من جديد الآن فسأبدأ مثلي مثل غيري، ليس هناك تحدٍّ، في الماضي كان هناك تحدٍّ وأنا قبلت هذا التحدي، لذلك أنا أشعر بكثير من الفخر والاعتزاز لكوني صبرت وحصلت على ما أريد.
* هل تفكر حالياً بدور تود القيام به، وهل تفكر بأن تنتج عملا خاصا بك؟
-  كانت لي تجربة في الإنتاج واكتشفت أنني لا أصلح لأكون تاجرا، فأنا أرفض عملية الحساب وأبتعد عنها، وأنا أعتقد نجاحي جاء من تركيزي على اختصاصي، وأي شيء آخر بعيد عن الفن أبتعد عن النقاش فيه.
* أنت الآن ذاكرة خصبة في الفن، فإذا قلنا لك لديك ممحاة لتمحي بها شيء من هذه الذاكرة، ما الذي تمحيه؟
- أنا في كتاب سيرتي الذاتية، ذكرت حادثة سببت سوء تفاهم بيني وبين الأستاذ دريد لحام، اعتبرها إهانة شخصية له لكن أنا فكرت أن لابد من ذكرها عندما تساءل الناس عن سبب انفصالنا فنياً، فكنت أتمنى لو أني لم أذكر هذه الحادثة.
-*  كيف هي علاقتك بالأستاذ دريد؟
-  في الحقيقة علاقتنا فاترة مع أني أحترمه وأحترم مشواره.
* إلى أي مدى شعرت بنفسك أخطأت تجاه أحد ما على حساب الشهرة؟
-  لو أعرف أنني أخطأت بحق أي شخص لقدَّمت الاعتذار فوراً، لكنني على العكس لو صادفت شخصا تائها أو متعثرا لدللته على الطريق الصحيح، فأنا أعتبر نجاح أي عنصر من العناصر العاملة في وسطنا الفني هو نجاح للجميع وعندما أقدم المساعدة لأي شخص من هذا الوسط فأنا أساعد فني...
* عملت في لبنان كثيرا ماذا تقول عن تلك التجربة؟
- للبنان الفضل الكبير في تجربتنا وانتشارنا، وتحديدا تجربتنا أنا ودريد ونهاد، وبنينا جسورا من الصداقة والمحبة، الفن اللبناني كان رائدا وتحديدا في الدراما وتجارب المسرح وبالأخص المسرح الغنائي. لبنان على صعيد الفن والإعلام كان رائدا وسبق مصر بأشواط، ولكن الشعب اللبناني لم يتلمس قيمة بلدهم، وأشعلوه بغضا وحقدا، ولم يتابعوا مسيرة نجاحات روادهم، اليوم الدراما اللبنانية مؤلمة جداً.
* ماذا تذكر من تجاربك في لبنان؟
- عام 1966 وقف أمام الكبيرة صباح لأول مرة من خلال فيلم" عقد اللولو" مع دريد ونهاد، هذه المرأة تتميز بحيوية وتواضع وذكاء ومساعدة للأخر، يومها لم نكن معروفين، ولا أحد يسمع بنا، وقفت أمامنا كهاوية وساعدتنا مساعدة لا توصف، وساندتنا دون أن تجرحنا، ويومها قال لي المخرج:" صباح طلبت مني أن لا أوجه أي ملاحظة لكم أمام فريق العمل، وأن أشيد بما نقوم به حتى لا تخافوا من نجوميتها وشهرتها"... هذه المرأة لم تكرم في لبنان كما كرمت في سورية والعالم العربي، إنها نجمة من الزمن النادر.
* كيف ترى ابنك سيف كممثل وكمخرج؟
-  أنا أراه مجتهدا، منذ كان طفلاً لم أوجه له ملاحظة حول دراسته أو واجباته، فهو منظم منذ صغره، ويدرس كل ما سيقدم عليه دراسة وافية، وعندما أراد أن يتجه للتمثيل كان في سنته الثانية في كلية الاقتصاد، وعندما فاتحني بالموضوع قلت له إذا كنت تجد في نفسك هذه الموهبة، فأنت حر هذا مستقبلك، وقرر هو أن يخوض التجربة ويدخل التمثيل، وأنا لم أوجهه ولم أتدخل بأي عمل شارك به على الإطلاق، وتوجهه الأساسي الآن نحو الإخراج، وأحببت عمله الأخير "فسحة سماوية"، وأتمنى من الله أن يوفقه.
رسالة سريعة
* بمن تتوسَّم خيراً من الممثلين الشباب الموجودين على الساحة الفنية؟
- أفضل ألا أجيب على السؤال، كيلا أنسى أحدا وعلى العموم، فالكل جيّدون فهناك مجموعة من الشباب الموجودين لديهم مواهب يشهد لها.
* ما الرسالة التي توجّهها لأولادك؟
-  أتمنى منهم أن ينظروا بدقة لخطواتهم كيلا يتعثروا.
* للفنانين الشباب؟
-  أن يتأنوا باختياراتهم ولا يستهلكوا أنفسهم.
                             سطور من حياته
- ولد في عام 1930 في حي "البزورية" في مدينة دمشق القديمة.
- عائلته تألفت من 12 شخصا ويعيلها والده فقط.
- حكواتي زمان أبو أحمد المنعش راقبه واعتنى به، واعتبره أستاذه الأول في فن التمثيل.
- أستاذه الثاني كان الكمبوشة " وهي حجرة الملقن على أرض المسرح".
- كان عمره 9 سنوات حينما شاهد أول فيلم سينمائي, وكان " المعلم بحبح" للراحل فوزي الجزايرلي.
- حينما بلغ 14 عاما انخرط في النوادي الكشفية وهناك كشف عن موهبة الغناء والتمثيل.
- عام 1954 انطلاقة فعلية له في الفن من خلال العمل في المسرح والإذاعة.
- عام 1961 شهد ولادة فنية جديدة وظهر ثالوث الفن من رفيق ونهاد قلعي ودريد لحام، وكانت الانطلاقة عبر تمثيلية " مطعم السعادة".
- عام 1966 وقف أمام الكبيرة صباح لأول مرة من خلال فيلم" عقد اللولو" مع دريد ونهاد، وفي عام 1967 انطلق الثالوث الفني بشكل قوي من خلال مسلسل" حمام الهنا".
- قدَّم 45 فيلما أهمها "سفر برلك" و" بنت الحارس" مع الأخوين رحباني وفيروز، و" أحلام المدينة"مع المخرج محمد ملص, وفيلم "الليل" حيث لعب دور الرئيس شكري القوتلي، وقدم عشرات المسلسلات التلفزيونية، والإذاعية، ولا يزال عطاء رفيق حاضرا وبقوة.
                              لقطات
- شكر كل من يكتب عنه بالخير أو ينتقده طالبا أن يبقى النقد والصحفي الموجه الأول للفن العربي.
- بكى حينما شكر كاتب هذه السطور عما كتبه عنه قائلا: "ما كتبته عني هو أجمل ما كتب، شعرت أنك قريب مني، وبصراحة أنا لا أستحق هذا"!
- حينما طلبنا منه أن يحدثنا عن رفض والدته لدخوله الفن تنهَّد، وذهب بعيدا في ذاكرته دون أن ينطق بكلمة!!
- استمر اللقاء ساعتين ونصف، ساعة ونصف سجل عبر كاسيت، والساعة الأخرى كان حوارا خاصا عبَّر فيه عن مكنوناته تجاه الكثير من القضايا الفنية والاجتماعية!
- أشار إلى أنه دوَّن مذكراته وسيرته الذاتية عبر كتاب " ثمن الحب"للزميل وفيق يوسف، وتحدث فيه بشفافية مطلقة!
- قدَّم أكثر من نصيحة للشباب، وقال إنه يخاف من أن يصابوا  بمرض النجومية والشهرة !!
- تحدث عن الفن اللبناني بحزن معتبرا أنه كان يشكل واجهة مشرقة، داعيا الفنانين اللبنانيين إلى العودة لما كانوا قد بدؤوه!!
- يعتبر الدراما السورية اليوم في الطليعة، وهي ليست نابعة من المصادفة بل ظهرت بعد تجارب عديدة، وجهود سابقة ومضنية، وعلى أكتاف أجيال مهمة.









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أصواتهن وتجربتهن في الميزان النقدي الحلقة 6 من 8

جوليا بطرس وغياب المغامرة و نجوى كرم التخطيط المغاير بقلم\\ جهاد أيوب • صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية • تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث • تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً! • نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق • تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً • تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا! جوليا بطرس : صوتها (  alto ). صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً. وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر وتنو

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت/ بقلم جهاد أيوب

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت "بونجور بيروت" وثائقي جورج صليبي يلملم ذاكرة تندثر • رسم الدهشة في صعوبة أحياء الروح من دمار الأفعال • الفيلم يصفع الفعل والفاعل والذاكرة والمذكور ويتركنا نتألم • عابه تطويل حوارات لا فائدة منها وشهادات شاركت في ذبح بيروت • موسيقى رائعة لـ جاهدة وهبي ونص متفوق والتقاط صورة ناطقة • مشاركة الفنان أسعد قيمة ومونتاج ذكي في مزج الماضي مع الحاضر بقلم||جهاد أيوب        حينما نخاطب الذاكرة نكون قد ضمنا نصف النجاح، ولكن النوايا الحسنة قد لا تصنع التميز رغم العاطفة المتدفقة بحق الماضي الذي يسجن في كلمة" الماضي الجميل" حتى لو كان قبيحاً، لذلك مجرد الانطلاق للحديث عن تاريخ لا يزال حياً نكون قد وقعنا في المحظور والقلق والخوف من النقد المباشر والرفض قبل المشاهدة والتنفيذ، وهذا ما أصاب فكرة انطلاقة فيلم " بونجور بيروت" للزميل الإعلامي والمخرج جورج صليبي، وايضا اصابنا نحن أبناء بيروت وأهلها ومن عايشها ويعرف تفاصيلها الدقيقة، ورقصنا مع زواريبها وشوارعها وعانقنا قصورها ومنازلها، وخاطبنا طيورها وشجرها والوان نو

فضائح برنامج الدعارة المنزلية "نقشت" على  LBC

بقلم// جهاد أيوب هل أفلست الأفكار المحلية حتى نستمرّ بورشة جنون شراء أفكار غربية لبرامجنا الاجتماعية من دون أن تشبهنا أو تناسبنا وتتفق مع صوَرنا؟ هل نحن استهلكنا كلّ إيجابيات عاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا وتصرّفاتنا وخبرياتنا وحياتنا اليومية حتى تلاشينا في ساعة ضياع، وقرّرنا أن يكون الإنقاذ عبر تقليد غيرنا مهما كانت الظروف؟ هل نسعى ونبحث عن الشتيمة من هنا وهناك كي نبقى في الواجهة الإعلامية، وبالشتيمة نحصد الإعلانات، ومن الشتائم يحيا النجاح الإعلامي المرئي؟ هل فعلاً نؤمن بالإنسان فينا، ودورنا كإعلاميين أن نعطيه جرعات أمل كي يبقى في بلد لا نعرف كيف يسير، والمواطن فيه تائه بالعنصرية والطائفية والحلم المفقود؟ هل نحن نحن، أو نحن منذ سنوات لم نعد نحن، بخاصة في بعض الخطاب الإعلاميّ المبنيّ على إشعال كل أنواع الغرائز حتى لو كانت حيوانية بعيداً عن رادع يصحّح الخطأ، ويشير إليه بصواب يليق بالحياة، ولا يُشعرنا بعمر نسير فيه ونحن الأموات، وإلا ما معنى أن ننتظر من برنامج تافه مصيرَنا في اكتشاف سعادتنا يدعى «نقشت Take me out»؟ «نقشت Take me out» خبصة بحص جديدة في إعلام يزوّر وجوهنا أكثر ممّا نحن