سكون ايقوني " ينقل عبد الحليم حمود من الكاريكاتير إلى التجريب التشكيلي
بقلم//جهاد أيوب
يغامر الزميل والكاتب ورسام الكاريكاتير عبد الحليم حمود بهجر ما عرفناه به إلى التشكيل، هو في الكاريكاتير يصنع اللوحة الناطقة والصارخة، يتميز بخصوصية تضعه مع الاسماء المنافسة، يحاول ان لا يقلد، وان لا يكون في الصفوف الخلفية، لذلك حينما دعانا إلى معرضه الجديد " سكون أيقوني " - افتتح أمس الاول في صالة الاونسكو - اعتقدنا أنه سيرسم ما نحن عليه من مشاكل سياسية وبيئية واقتصادية وأمنية وفنية، وكانت النتيجة 49 لوحة تشكيلية مجردة بهمسات كاريكاتيرية، ومشغولة بأصباغ منوعة وبزمن ثابت وإضاءة محددة وضيقة الافق!
اراد عبد الحليم البوح بطريقة مغايرة لكنه وقع في الطرح الواقعي دون تردد وربما دون أن يقصد، وقد يعود السبب إلى طبيعة عمله كرسام كاريكاتيري يلتقط اللحظة ويطوعها لتخدم نظريته ولا يصنعها، بينما التشكيلي يلتقط اللحظة ويصنعها احيانا ويقولبها حتى يناقشها ويعيشها بكل جوارحه، هنا حمود استخدم فكرة كاريكاتيرية، ونفذها برؤية واقعية مجردة من الشكل وبأنطباعية الاحساس وبسريالية الواقع، صنع بطله " ايقونة" وجه بملامح كاريكاتيرية واضحة، وجه مكرر بغالبية اللوحات فقط اختلف بطريقة وضع اللون، ولكن في النطق تاهت معالمه وبقيت صورته!
لا خلاف ان حمود غامر، وهذه المغامرة تتطلب الوقت كي تتبلور اكثر، وما اضرها ان الفنان رسم مغامرته هذه بأوقات متقاربة وباعتقادي باقل من شهر، لذلك قد نختصر كل اللوحات المعروضة بلوحة او بأربع لوحات، من هنا جاءت ألوانه موحد وحركته ثابتة، وطبيعة شخوصة والفكرة متقاربة وهذا ابعده عن عمق ما يرغب قوله في صراخنا، واضح ان الفنان لامس ما يرافقنا من مشاكل وما بعد المشاكل والمحيط الذي نعيشه لكنه مر مرور الكرام دون ان يصفعنا، ودون ان يسمح لنا بالتفكير وبالخروج من عنق الزجاجة، وحتى حينما تحدث شارحا نصه الجديد اصر ان يسجننا بما هو يريد ولم يترك لنا حرية البحث والتنقيب مع أن اللوحة النص حينما تعرض للناس تصبح ملكا للمتلقي ولاشكالياته، يحق للفنان ان يخبرنا عن فكرته وتجربته مع فسح المجال لنتعقبه ودراسة نتاجه كي نكتشف ما لم يكتشفه هو بلحظة هاربة، ودورنا أن نعيد هذه اللحظة الهاربة والنادرة!
الالوان المستخدمة
السرعة في تنفيذ المعرض فرض التكرار اللوني والنصي، من هنا جاء اللون شبه حالة مكررة رغم تعدده فهو ينطلق بالاحبار الصينية، والاكواريل، إلى الاكراليك والباستيل، وهذه فرصة ليبهرنا ويأخذنا إلى عالم الدهشة الا أن القلق الذي يساوره نتيحة العيش في هذه المنطقة بالذات فرضت عليه الضبابية والاضاءة الخجولة، ولا ندري سبب هذه القيود للنور وللالوان التي حاول تحريرها بخطوط الحبر الصيني والنتيجة اكثر ضبابية وحدة!
وربما قصد الفنان من ذلك السكون ولكن الموقف يتطلب سكونا مغايرا فيه الانتظار بغد اخر، وفسحة امل، ونقطة ضوء، ونافذة حالمة...الحلم غاب عن كل اللوحات، والتعب بان في الايقونة المكررة وفي تشتت صراخ الالوان والاصباغ ... حينما نريد تجريد الاشكال يفرض علينا ان نتسلح باللون كي ينطق من الفكرة والشكل المجرد، ويسبح في فضائهما ويغرد عنهما ويرسم معالم وجعهما وخوفهما وحزنهما وفرحهما، هنا عند الزميل حمود نجد اللون يكرر همساته، ويوحد شطحاته، ويسجن لغاته، وبعد ذلك يجمد اللحظات!
النص الموجع
لا يحق لنا ان نحدد اختيارات الفنان، ولكن يحق لنا ان نسأل عن هذه المساحة من التواصل المفقود بين المتلقي والنص بكل مواده، صحيح زحمة نقل الواقع اطلت علينا بتعدد الافكار الا ان سجنها بخطوط واضحة بوحدتها أمرتنا بقراءة اسم اللوحة كي نعاود تكرار قراءة المشاهدة، النص الفكرة رسما بخط حاد جدا وثاقب أحيانا إلى ان جاء اللون فأضاع الهدف.
ايقونة النص وشخصية الطير صنعا توليفة جميلة ينقصهما الجنون بعيدا عن نص مقيد في برواز والوان هامسة، ومع ذلك استطاع حمود ان يحافظ على النسب والمنظور بمسؤولية، نسبه مدروسة بدقة تخدم البصر ولا تعيق النظر، ومنظوره حافظ على حدود اللوحة ولم يزعج المتابعة وابعده عن الارتجال وصدفة الشكل!
كان على الزميل عبد الحليم حمود التروي في تقديم نصه واسلوبه وصرخته الجديدة، وان يسمح لها بالتنفس وبالبوح معه ومع تطريز وحياكة مفردات ايامنا، ان الحوار مع اللوحة التشكيلية يصنع نصا مغايرا يطول عمره ويفرض حضوره بقوة التأسيس والنص والتكنيك والتجريب، وهذا يعطي خبرة في انشودة البوح والتواصل والصفع والتفرد.
تعليقات
إرسال تعليق