بقلم// جهاد أيوب
لا يزال القدير غانم السليطي يجرب في المسرح العربي، وتحديداً الخليجي منذ بداياته عام 1986، ولا يزال منغمساً بالاختلاف حتى يثبت نظرية أن الجمهور ليس كما يشتهي بل كما تحترمه، وتقدم له قضيته مع زخة من الكوميديا النظيفة، والمسرح ليس كما يُنظر به وحوله، بل ببساطة هو التفاعل الاجتماعي والحالة العامة في طرح ما يغفل عنه، أو يعيشه الناس والبلد، ويطنشونه خوفاً من اوجاع الرأس!
ولم ينفك غانم السليطي بعد هذا العمر من العمل المضني في أصعب موهبة يصر على خوض المخاطر في زمن انحصار الابداع الكلاسيكي، وتحديداً المسرح الذي وبفضل المهرجانات المصنعة المتصنعة، واستعراضية عقد النجوم تقلص دوره، وكلما كان مهرجاناً عند العرب اضعنا المزيد من فنوننا لآن السياسة والشوفانية والمصالح قضت على فكرة المنافسة، وفرض الابداع التميزي!
غانم يدرك ماذا يفعل، ولماذا هو في الفن، ومتمترس في قلب الحدث الفني، وتحديداً في المسرح الذي يتمسك بخشبته حتى الرمق الآخير، حينما يصعد إليها تشعر بمحاورتهما، وتسمع ضربات قلب المنصة وهمهمات غانم المجنون، لا يشيخ، ولا يتعب، ولا ينق طالما هو معها ويترافق مع شعارها، لديه مقدرة غريبة كلما التقيا معاً على فضح الحقائف واستعادة طفولة الجسد، تزرع به الشباب، تبعد الشيب عن حركته، وتزهر خطواته، والاخطر انه يناضل في سبيلها بحكمة وبتطور العقلية دون ان يلتفت إلى ماضيه ومشواره الطويل، ولا يكترث لكل ما قدمه عليها، وفي كل محاوره يبدأ معها من جديد، اقصد هي تشعره باحتصان ضناها، وهو يدرك ولادته من جديدة كطفل يذهب إلى حضن امه للأمان، وهذا ما جعل العلاقة بينهما سليمة ومتطورة ومتوهجة، وهذا ما حمل غانم مسؤولية الزعامة المسرحية في قطر، وصولاً إلى مشاركة امثاله وهم قلة خليجياً وعربياً ممن يحمل هم اناسهم، وطرح قضايا مجتمعاتهم بذكاء وحنكة ودراية بعيداً عن لغة التنظير والمباشرة...!
كما ومع تجارب الزمن لا تستطيع الانفلات من حضور غانم احببته أو لم تعجب به...لا يزال هذا المبدع الجدي والجاد مصراً على ان ينزل إلى شارع مجتمعه اناسه هويته، ويصعد معهم إلى فسحة من الصفعة والفكرة والأمل، ورغم الشوك والطعنات والغدر يسعد، وتتلاشا طعنات الحقد والحسد والتعب امام سماعه تصفيق الاعجاب، والعرفان بجميله في ادخال الفكرة والفكر والقضية مع ضحكة مسؤولة في زمن القحط الثقافي وتحديداً في زمن شتات المسرح والفكر العربي!
اليوم، وكما ذكرنا من أوضاع تحاصر المواطن في سياسة همجية، وتخطف من امامه لقمة العيش والزمن والعمر، وتجند الحقد للقضاء على المستقبل، وتجمد العاطفة بحجة أبناء العم وما شابه يغامر غانم بتقديم وجبة صافعة مؤلمة تتغذى على الكوميديا السوداء رغم تجسيدها في "شللي يصير" وتقنين الانفعالات الانفعالات غير المدروسة، وهذا عمق الذكاء المسرحي!!
نعم بعد توزيع عطاءات العمر في حياة فنه لم يكترث لخطوات كانت فأصر أن ينزل إلى الشارع كمواطن فنان، ويرسم حلمه المفجوع بطعنات الاقرباء، لم يبالغ لكونه يشبه محيطه وارضه واناسه، وصارخاً:" دعوني أحب وطني كما انتم تدعون حب اوطانكم...لماذا يحق لك أن تعبر في رسم جدارية بلادك وتحاصرني كي لا الون محبة أمي الوطن؟...لماذا تصر أن تكون أنت وأنا لا أكون؟...لماذا تتعمد أذيتي وانا اتمترس بالصمت المهول؟...أنا سأسامح ولكن يجب أن أقول عالياً أننا لسنا تكملة عدد، ومن ينسى يستعد لمعركة جديدة من الالغاء على أكثر من صعيد..."!
حمل غانم السليطي كل هذا العبئ الجميل متسلحاً بما يملكه من سلاح الفن وهو الاخطر ونزل ميدان الوطن، وساحة البوح الملتزم، وهذا سيزيده مسؤولية، وسيرسمه في تاريخ الوطن ككضية يتعلم منها الحاضر والقادم من اجيال الوطن!
لم يعد يهتم غانم في موهبته حساسية الكلمة والحركة، لكنه يصر أن تخرج الدمعة كي يعالجها بالوضوء، ولم يعد حذراً في البوح المسرحي كي يعالجه بصمت الوجع، بل يصر أن يرافق الضوء، هو كتلة احاسيس يدرك مخاطرها واهميتها ودورها على خشبة فيها ما يعجز عن قوله أهل السياسة!
غانم السليطي بعد هذا العمر، وبعد هذه التجربة يخوض مخاض الولادة الجديدة كل يوم ليس للكسب المادي، وليس لقطف شهرة زائلة بل من أجل الانسان في الوطن، والمواطن في الفن، والفن في القضية، والقضية في وجدان الوجود الزمني والوطني، والمواجهة الواجبة كي يبقى في بصمة الوطن مع الوطن!
لم يعد غانم في هذه الظروف يخاف البوح بقدر ما يسعى إلى مصارحة النطق والوجع والام امة تتهاوى، ولم يعد غانم مجرد اللاعب على مسرح الفن، أو هو
الديكور الذي يزين لحظات عابرة، بل هو صرخة في الصميم وليست صرخة في وديان العرب...
غانم السليطي صرخة فنية محنكة وبمقدرة، صفعة لا تجامل في زمن البوح الفكري الموجوع من أجل أن يحافظ على وطن، جملة غاية بأهمية نطقها لساناً وجسداً وروحاً كي يكون الفنان شريكاً في بناء وحماية الإنسان والوطن معاً...وما أصعب هذا الدور، وما أسهل أن تكون شريكاً في احاسيس الوطن...
تجربة غانم السليطي الفنية هي ذاتها هي التجربة الحياتية بكل فصولها، لذلك لم يعرف عمر غانم الشيخوخة، ولم يربك لحظان وجوده، بل يصر أن يكون الشاب الاول في مسيرة بناء الفن الثقافة البوح في مسيرة وطن...قد تحبه، وقد لا يعنيك فهذا شأنك ومن حقك، لكنك لن تستطيع الغاء جهوده مهما اختلفت معه، ولن تتمكن من لجم بصمة مشروعه وحضوره لكون غانم السليطي شكل مع الزمن بصمة نعتز بها، وهي مرجعية لكل من سيخوض غمار التعب من بعده...
لا يزال القدير غانم السليطي يجرب في المسرح العربي، وتحديداً الخليجي منذ بداياته عام 1986، ولا يزال منغمساً بالاختلاف حتى يثبت نظرية أن الجمهور ليس كما يشتهي بل كما تحترمه، وتقدم له قضيته مع زخة من الكوميديا النظيفة، والمسرح ليس كما يُنظر به وحوله، بل ببساطة هو التفاعل الاجتماعي والحالة العامة في طرح ما يغفل عنه، أو يعيشه الناس والبلد، ويطنشونه خوفاً من اوجاع الرأس!
ولم ينفك غانم السليطي بعد هذا العمر من العمل المضني في أصعب موهبة يصر على خوض المخاطر في زمن انحصار الابداع الكلاسيكي، وتحديداً المسرح الذي وبفضل المهرجانات المصنعة المتصنعة، واستعراضية عقد النجوم تقلص دوره، وكلما كان مهرجاناً عند العرب اضعنا المزيد من فنوننا لآن السياسة والشوفانية والمصالح قضت على فكرة المنافسة، وفرض الابداع التميزي!
غانم يدرك ماذا يفعل، ولماذا هو في الفن، ومتمترس في قلب الحدث الفني، وتحديداً في المسرح الذي يتمسك بخشبته حتى الرمق الآخير، حينما يصعد إليها تشعر بمحاورتهما، وتسمع ضربات قلب المنصة وهمهمات غانم المجنون، لا يشيخ، ولا يتعب، ولا ينق طالما هو معها ويترافق مع شعارها، لديه مقدرة غريبة كلما التقيا معاً على فضح الحقائف واستعادة طفولة الجسد، تزرع به الشباب، تبعد الشيب عن حركته، وتزهر خطواته، والاخطر انه يناضل في سبيلها بحكمة وبتطور العقلية دون ان يلتفت إلى ماضيه ومشواره الطويل، ولا يكترث لكل ما قدمه عليها، وفي كل محاوره يبدأ معها من جديد، اقصد هي تشعره باحتصان ضناها، وهو يدرك ولادته من جديدة كطفل يذهب إلى حضن امه للأمان، وهذا ما جعل العلاقة بينهما سليمة ومتطورة ومتوهجة، وهذا ما حمل غانم مسؤولية الزعامة المسرحية في قطر، وصولاً إلى مشاركة امثاله وهم قلة خليجياً وعربياً ممن يحمل هم اناسهم، وطرح قضايا مجتمعاتهم بذكاء وحنكة ودراية بعيداً عن لغة التنظير والمباشرة...!
كما ومع تجارب الزمن لا تستطيع الانفلات من حضور غانم احببته أو لم تعجب به...لا يزال هذا المبدع الجدي والجاد مصراً على ان ينزل إلى شارع مجتمعه اناسه هويته، ويصعد معهم إلى فسحة من الصفعة والفكرة والأمل، ورغم الشوك والطعنات والغدر يسعد، وتتلاشا طعنات الحقد والحسد والتعب امام سماعه تصفيق الاعجاب، والعرفان بجميله في ادخال الفكرة والفكر والقضية مع ضحكة مسؤولة في زمن القحط الثقافي وتحديداً في زمن شتات المسرح والفكر العربي!
اليوم، وكما ذكرنا من أوضاع تحاصر المواطن في سياسة همجية، وتخطف من امامه لقمة العيش والزمن والعمر، وتجند الحقد للقضاء على المستقبل، وتجمد العاطفة بحجة أبناء العم وما شابه يغامر غانم بتقديم وجبة صافعة مؤلمة تتغذى على الكوميديا السوداء رغم تجسيدها في "شللي يصير" وتقنين الانفعالات الانفعالات غير المدروسة، وهذا عمق الذكاء المسرحي!!
نعم بعد توزيع عطاءات العمر في حياة فنه لم يكترث لخطوات كانت فأصر أن ينزل إلى الشارع كمواطن فنان، ويرسم حلمه المفجوع بطعنات الاقرباء، لم يبالغ لكونه يشبه محيطه وارضه واناسه، وصارخاً:" دعوني أحب وطني كما انتم تدعون حب اوطانكم...لماذا يحق لك أن تعبر في رسم جدارية بلادك وتحاصرني كي لا الون محبة أمي الوطن؟...لماذا تصر أن تكون أنت وأنا لا أكون؟...لماذا تتعمد أذيتي وانا اتمترس بالصمت المهول؟...أنا سأسامح ولكن يجب أن أقول عالياً أننا لسنا تكملة عدد، ومن ينسى يستعد لمعركة جديدة من الالغاء على أكثر من صعيد..."!
حمل غانم السليطي كل هذا العبئ الجميل متسلحاً بما يملكه من سلاح الفن وهو الاخطر ونزل ميدان الوطن، وساحة البوح الملتزم، وهذا سيزيده مسؤولية، وسيرسمه في تاريخ الوطن ككضية يتعلم منها الحاضر والقادم من اجيال الوطن!
لم يعد يهتم غانم في موهبته حساسية الكلمة والحركة، لكنه يصر أن تخرج الدمعة كي يعالجها بالوضوء، ولم يعد حذراً في البوح المسرحي كي يعالجه بصمت الوجع، بل يصر أن يرافق الضوء، هو كتلة احاسيس يدرك مخاطرها واهميتها ودورها على خشبة فيها ما يعجز عن قوله أهل السياسة!
غانم السليطي بعد هذا العمر، وبعد هذه التجربة يخوض مخاض الولادة الجديدة كل يوم ليس للكسب المادي، وليس لقطف شهرة زائلة بل من أجل الانسان في الوطن، والمواطن في الفن، والفن في القضية، والقضية في وجدان الوجود الزمني والوطني، والمواجهة الواجبة كي يبقى في بصمة الوطن مع الوطن!
لم يعد غانم في هذه الظروف يخاف البوح بقدر ما يسعى إلى مصارحة النطق والوجع والام امة تتهاوى، ولم يعد غانم مجرد اللاعب على مسرح الفن، أو هو
الديكور الذي يزين لحظات عابرة، بل هو صرخة في الصميم وليست صرخة في وديان العرب...
غانم السليطي صرخة فنية محنكة وبمقدرة، صفعة لا تجامل في زمن البوح الفكري الموجوع من أجل أن يحافظ على وطن، جملة غاية بأهمية نطقها لساناً وجسداً وروحاً كي يكون الفنان شريكاً في بناء وحماية الإنسان والوطن معاً...وما أصعب هذا الدور، وما أسهل أن تكون شريكاً في احاسيس الوطن...
تجربة غانم السليطي الفنية هي ذاتها هي التجربة الحياتية بكل فصولها، لذلك لم يعرف عمر غانم الشيخوخة، ولم يربك لحظان وجوده، بل يصر أن يكون الشاب الاول في مسيرة بناء الفن الثقافة البوح في مسيرة وطن...قد تحبه، وقد لا يعنيك فهذا شأنك ومن حقك، لكنك لن تستطيع الغاء جهوده مهما اختلفت معه، ولن تتمكن من لجم بصمة مشروعه وحضوره لكون غانم السليطي شكل مع الزمن بصمة نعتز بها، وهي مرجعية لكل من سيخوض غمار التعب من بعده...
تعليقات
إرسال تعليق