بقلم//جهاد أيوب
الغالبية من صناع القرار تدرك أننا بين قوسين على إعلان انتصار محور الممانعة على مشروع ولادة شرق أوسط صهيوني جديد، وما أن تنتهي معركة "دير الزور و بو كمال" تكون سوريا قد انتصرت على تفكيكها، وتشتيتها، وعدم جعلها تابعة للمشروع الصهيوأميركي سعودي.
ولا خلاف أن الفضل الأول لأنتصارنا على الدواعش يعود إلى صبر وتحمل الشعب السوري المؤمن بدولته، والشعب العراقي، وجمهور وبيئة المقاومة بكل ما أصابهم، وإلى رجال المقاومة، ومن ثم مساعدة ما تبقى من جيوش عربية، وتكتيكات عسكرية روسية، وهمة سياسية ومالية وتجهيزية إيرانية، ولكن ما قدمته المقاومة من قوة ورجال، واهداء الروح في سبيل افشال مشروع داعش كان الاساس في معركة دولية كادت تغير العالم عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والأهم جغرافيا لو نجح مشروع صناع دولة داعش!
لذلك لا بد أن نعترف بهدوء أن انتصارنا في معركتنا مع التطرف هي مرحلية قد تطول 20 سنة أو أكثر، لكنها عائدة لا محال في ظروف مختلفة، ومغايرة عالميا لكنها متشابهة اسلاميا في ظل وجود انظمة تدعي أسلمة نظامها، وعربيا في ظل وجود المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي حتى لو اوجد الحل للقضية الفلسطينية!
لو عدنا إلى الوراء سنجد أن مشروع تكفير الآخر انطلق مباشرة بعد موت أو قتل "الله اعلم" النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وحدوث مسألة الخلافة، ومع وعي خليفته في العلم والمعرفة، ومخافته الرحمن الإمام علي اخذ العالم الإسلامي إلى شبه استقرار اجتماعي مع شوائب عقائدية كثيرة حاول أهل بيت الرسول لجمها، وتحديدا ثورة الحسين، وكبرت التفرقة من خلال استغلال مفارقات اجتهادية لتصبح عنصرية طائفية، ولكن الغلبة كانت آنذاك للمال السياسي التكفيري، والسلطة، وقوة الحاكم، وتجارته، وحنكته السياسية الداهية، وهي ذاتها اليوم وغدا!
وقد تغيرت أمور كثيرة في مفهوم الدين، والعقيدة، والمجتمع مع مرور سنوات طوال لن ندخل إلى صراعاتها، لكنها، وبغالبياتها تمحورت حول استغلال الدين والثأر من أجل نهب خيرات أرض المسلمين، وتكريس حكم عائلات معينة عليها...
واكتشف البترول، وزرعت وسيطرت الوهابية مباشرة ليحدث أن الفكر التكفيري، والتطرف في تلك المرحلة تم استيعابه من الدول الغربية المستعمرة والحاكمة فجعلت للوهابية المناطق المتنازع عليها إلى أن تم توحيدها في دولة ذات شؤون ومؤسسات تنحصر في عائلة، وكان سلاح هذه العائلة الفكر الطائفي، والتكفيري للآخر!
أدركت الدول الغربية خطورة الفكر الوهابي، لذلك اتفقت معه على انشاء دولة له تابعة لسياسة الغرب في المنطقة، وقسمت خيرات الدولة من البترول، وسمحت لها باللعب ضمن دائرة الشرق الاوسط ومحيطها دون أن تصنع عداوة مع الغرب ومشاريع الغرب في المنطقة، وتحديدا المشروع الإسرائيلي، رافق ذلك كذبة بعض حكام الجمهوريات العربية!
لم تسمح بريطانيا ويهودها من أن تبقى بلاد غنية بثرواتها وفكرها مستقرة أو تسعى للاستقرار، لذلك لا بد من انشاء احزاب دينية افكارها متشابهة مع دولة متطرفة، فقررت صناعة قوة بديلة لسد حاجة ظرفية على نطاق أوسع في الفكر السني، لأن السنة يشكلون العدد الأكبر في الإسلام فكان مشروع "الإخوان" حيث تم تأسيس تلك الجماعات عام 1928 في مصر، ومصر قلب العرب والمسلمين، وقد تم استغلال كلمة "الوسطية" لجذب اكبر عدد ممكن من المناصرين، وفي العمق كان الفعل التطرفي عكس التنظير!
ومن أجل الاستمرارية تم التبني المعنوي والمادي لفكرة "الإخوان المسلمين" أو لهذه الجماعات المتدينة والمتطرفة فكريا من قبل الملك السعودي عبد العزيز الذي اعجب بالفكرة والطرح...
وقد شهد التاريخ دور الاخوان في مصر والمنطقة العربية، وكيف وقفوا ضد مشروع الوحدة والعروبة في لحظة حساسة من الصراع العربي الاسلامي الاسرائيلي، ويشهد التاريخ الحديث ايضا وصول الاخوان إلى الحكم في مصر، لنكتشف مستوى التطرف الديني والمذهبي والسياسي، والتصالح مع المشروع الصهيوني على حساب ضرب فكرة الوحدة الاسلامية والعربية، وهذا ما كان يحذر منه سابقا الزعيم جمال عبد الناصر، وحاصرهم، وسجنهم، وكذلك فعل الرئيس حافظ الاسد في حماة!
إذا الفكر التكفيري عقائديا وسياسيا ليس جديدا، وهو حاضر من حولنا الأن عبر انطلاق الوهابية في دولة غنية، وزرع الإخوان المسلمين في مشروع المجتمع الديني، وهؤلاء استغلوا تقصير الدولة في الخدمات الاجتماعية، وكانوا البديل الفعال مما جعلهم يتكاثرون عددا وتطرفا، وأمنوا بتكفير الآخر خلف ابتسامة هادئة!
وبدأ مجتمعنا يشهد ولادات جديدة من تيارات متطرفة طائفيا ومذهبيا كالسلفية، وبن لادن أو القاعدة، وداعش، اما التسميات الباقية فهي تابعة لمشروع داعش، وهذا الأخير الجناح العسكري للقاعدة، والقاعدة الطرح العالمي لمشروع السلفية، والسلفية "المقصود بها التطرف المذهبي" رغم غوغائية انتشارها كانت صورة فعالة لفكر الإخوان المسلمين والدولة الوهابية بكل فروعها وأموالها!
من هنا نستطيع القول أن داعش هو الجيل الخامس في المشروع التكفيري الحديث، وهذا الجيل لم يولد من فراغ، وإذا كنا نعتقد أننا قضينا على هذا الجيل نكون ارتكبنا الخطأ الكبير في فهم استمرارية التواجد والوجود، ونحن بذلك نمثل الاغبياء في اللعبة السياسية الأممية، ومن صنع الجيل الخامس في اللعبة الدينية التكفيرية هو لا يزال على قيد الحياة، ويمتلك ارضية غنية وصلبة في شيطنة الغير، ومن السهل استغلال المجتمع في السجن الطائفي لكونه يتعامل مع الدين من منظار حشيشة الكيف أو افيون الايمان وليس غذاء للعقل والانسانية، ومن السهل أن يصنع الجيل السادس من المتطرفين التكفيريين !!!
السؤال: هل نكتفي بإعلان النصر على مشروع الجيل الخامس، وننتظر قدوم الجيل السادس، أو لدينا منهجية مكافحة هذا الفكر الديني الإجتماعي الإرهابي، أو ننتظره كعادتنا لكوننا مفعول به ولسنا الفاعل؟
تعليقات
إرسال تعليق