التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التاريخ وأعراب القاع




بقلم //جهاد أيوب
          علاقتنا مع التاريخ متحولة وإشكالية ومخيفة، وذات أبعاد لا نفهمها، وتفرض على الشعوب التي تعاني من التاريخ وفيه، وتكون الحطب فيه، ووقوده الرخيص، لكنها لا تكتبه مع أنها ساهمت في صنعه من دون أن تكتشف ذلك رغم معاناتها خلاله، ولا تفرضه مع أنها عاشته ومن دون ان تنتصر، وتصبح مجرد رقم على هامشه!
هم على خصام مع التاريخ يجعلهم يعيشون في القاع خوفاً منه، لذلك يقنعون أنفسهم بأنهم على تصالح معه، يسارعون للمساهمة في تزويره، حسب قناعاتهم الطائفية والعنصرية والقبائلية والمالية. هم يسلمون مفاتيح التاريخ إلى الغرب كي يحدده ويبصمه ويؤرخه ليعود إليه في كل مرحلة استعمار.
وقد ينطبق هذا على شعوب تصغر مع كل عاصفة لتصبح مع صفعات التاريخ أكثر من شعوب، وأكثر من حدود، وأكثر عنصرية وفوقية على ذاتها وذواتها!
بعض الأعراب أكثر شعوب الارض تنظيراً وصوتاً من دون أفعال، واكثر شعوب العالم تغنياً بالعادات والتقاليد، لكنهم لا يعيشونها الا من خلال جمود العقل، يبالغون في الدين والايمان، والدين عندهم أكثر من دين، يصغرونه الى طائفة، والطائفة طوائف، والطوائف مذاهب متناحرة ومتقاتلة ومتحاربة حتى الشتات والضياع مع كثافة المنظرين في فكر الأعراب، وادعياء التخلّف العلمي.
في حالات كهذه يُصنع للتخلف العلم والمعرفة والقواعد والثوابت، وحينما يصلون الى هذا يرجعون الى عصر الجاهلية مع ربطة عنق، ولغة منمّقة!
هم حتى الآن لم يتعرّفوا على كيفية كتابة التاريخ، ولا التصالح معه لأنهم يُصرّون على تزويره، ويتكالبون على سطح صفحاته بمفردات غرائزية، واختلاق قصص خرافيّة وجب تصديقها!
هم لا ينظرون إلى التاريخ بموضوعيته وحقيقته حتى لو كانت هذه الحقيقة صافعة، لماذا؟ لأن في التاريخ دروساً وحقائق ووجوهاً ومستقبلاً.
نعم في التاريخ حاضر ومستقبل. في الحاضر رسوم لما بعده. وفي المستقبل حضارة إذا اعتمدنا على دروس تاريخنا وليس عناوين تواريخنا!
للتاريخ صفعاته، وخباياه الذهبية، وكنوزه، ولكن هل نعرف ما هو التاريخ، ومَن هم في التاريخ، ومَن كتب التاريخ، ولماذا أصبح هكذا، ولماذا لا يعرفونه الا من خلال شهواتهم وعقدهم وعواطفهم وطوائفهم وتعصّبهم؟!
للتاريخ رجاله وأهله ومفاتيحه وقادته وجنونه وأسياده، ولكن في النهاية التاريخ يلغي مَن كان وقوده الاستهلاكي فاستغباهم، وتركهم يعيشون ضمن دائرتهم الضيقة، وتضيق كلما ازداد لديهم التطرف والتعصب!
للأسف أعرابنا حتى الآن لا يعرفون مَن في التاريخ، ومَن صنع التاريخ لكثرة الخرافة، ولكثافة الكذب في التواريخ!
يوجد مَن يحرّك التاريخ، وهؤلاء قلة، وربما كل عشرات السنين يظهر الرجل المحرّك الذي يفرض التغيير، ويلفت نظر العالم!
ويوجد مَن يترك بصمة في التاريخ، والبصمة هنا منقسمة منها ما هو يغيّر بثورته محيطه فيخيف المستعمر وأبناء استحمار الآخر، ولكنه لا يحرّك العالم بقدر ما يربكه، وهؤلاء أيضاً قلة، لكنّهم يظهرون من وقت الى آخر!
والقسم الثاني من البصمة تظهر الصانع لثورته من دون خطة أو علم، والغريب أنه يؤمن بالصدفة، والصدفة لا تصنع التاريخ بل تقترب منه لكون حاملها جاهلاً على محيطه فأصبح قائده، زعامته او حركته نابعة من تراكم التجربة والموقف، والإنجاز الصغير قد يظهرهم ويبرزهم، ويوجد مَن يكتب عنهم في التاريخ كمرحلة للعلم والتذكير من دون قيمة إضافية، وهؤلاء كثر جداً!
ويوجد من يفرض أن يكتب عنه في التاريخ الآني والمرحلي بماله، ويعتمد التزوير، وهؤلاء كثر تفرضهم إرادة استعمارية، لكنهم يغيبون كلما سقطت سلطتهم، ويصبحون من غبار الزمن!
ويوجد مَن يحكم، ويسيطر، ويزرع الفتن من دون أن يذكّره التاريخ، لأنه في الحكم وفي الحياة تكملة عدد!
مَن يعتقد أن التاريخ مجرد كتابة داخل الكتاب، وأحبار على مجموعة أوراق هو يعيش على قمة الأغبياء، وبين تعساء لا يفقهون مصيرهم وصورهم!
وحتى لا نبقى جماعات في الأعراب تخاف من تاريخها فتقبل ما يصنعه ويكتبه غيرها عن تاريخها، وتنتقده، وتساهم في تزويره ضمن قطيعها الضيّق، معتقدة أنه هو الكل، علينا الاعتراف بأننا زوّرنا في تاريخنا وتواريخنا وبالأخص الدينية!
التاريخ هو الصفعة المتغيّرة والثابتة، كلما أردنا خوض تجربة مصيرية، أو كلما سقطنا في قاع الحياة، وفي بئر التاريخ من دون أن تصلنا الشمس!
#جهاد_أيوب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أصواتهن وتجربتهن في الميزان النقدي الحلقة 6 من 8

جوليا بطرس وغياب المغامرة و نجوى كرم التخطيط المغاير بقلم\\ جهاد أيوب • صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية • تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث • تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً! • نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق • تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً • تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا! جوليا بطرس : صوتها (  alto ). صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً. وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر ...

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت/ بقلم جهاد أيوب

وليد جنبلاط: "سوليدير" دمرت بيروت "بونجور بيروت" وثائقي جورج صليبي يلملم ذاكرة تندثر • رسم الدهشة في صعوبة أحياء الروح من دمار الأفعال • الفيلم يصفع الفعل والفاعل والذاكرة والمذكور ويتركنا نتألم • عابه تطويل حوارات لا فائدة منها وشهادات شاركت في ذبح بيروت • موسيقى رائعة لـ جاهدة وهبي ونص متفوق والتقاط صورة ناطقة • مشاركة الفنان أسعد قيمة ومونتاج ذكي في مزج الماضي مع الحاضر بقلم||جهاد أيوب        حينما نخاطب الذاكرة نكون قد ضمنا نصف النجاح، ولكن النوايا الحسنة قد لا تصنع التميز رغم العاطفة المتدفقة بحق الماضي الذي يسجن في كلمة" الماضي الجميل" حتى لو كان قبيحاً، لذلك مجرد الانطلاق للحديث عن تاريخ لا يزال حياً نكون قد وقعنا في المحظور والقلق والخوف من النقد المباشر والرفض قبل المشاهدة والتنفيذ، وهذا ما أصاب فكرة انطلاقة فيلم " بونجور بيروت" للزميل الإعلامي والمخرج جورج صليبي، وايضا اصابنا نحن أبناء بيروت وأهلها ومن عايشها ويعرف تفاصيلها الدقيقة، ورقصنا مع زواريبها وشوارعها وعانقنا قصورها ومنازلها، وخاطبنا طيورها وشجرها والوان نو...

فضائح برنامج الدعارة المنزلية "نقشت" على  LBC

بقلم// جهاد أيوب هل أفلست الأفكار المحلية حتى نستمرّ بورشة جنون شراء أفكار غربية لبرامجنا الاجتماعية من دون أن تشبهنا أو تناسبنا وتتفق مع صوَرنا؟ هل نحن استهلكنا كلّ إيجابيات عاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا وتصرّفاتنا وخبرياتنا وحياتنا اليومية حتى تلاشينا في ساعة ضياع، وقرّرنا أن يكون الإنقاذ عبر تقليد غيرنا مهما كانت الظروف؟ هل نسعى ونبحث عن الشتيمة من هنا وهناك كي نبقى في الواجهة الإعلامية، وبالشتيمة نحصد الإعلانات، ومن الشتائم يحيا النجاح الإعلامي المرئي؟ هل فعلاً نؤمن بالإنسان فينا، ودورنا كإعلاميين أن نعطيه جرعات أمل كي يبقى في بلد لا نعرف كيف يسير، والمواطن فيه تائه بالعنصرية والطائفية والحلم المفقود؟ هل نحن نحن، أو نحن منذ سنوات لم نعد نحن، بخاصة في بعض الخطاب الإعلاميّ المبنيّ على إشعال كل أنواع الغرائز حتى لو كانت حيوانية بعيداً عن رادع يصحّح الخطأ، ويشير إليه بصواب يليق بالحياة، ولا يُشعرنا بعمر نسير فيه ونحن الأموات، وإلا ما معنى أن ننتظر من برنامج تافه مصيرَنا في اكتشاف سعادتنا يدعى «نقشت Take me out»؟ «نقشت Take me out» خبصة بحص جديدة في إعلام يزوّر وجوهنا أكثر ممّا نحن...