التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تمايل الجمهور على طربوش الاونيسكو


عفيف شيا..الصوت السبعيني الذي لا يشيخ

بقلم//جهاد أيوب



  هو حاضر كالشباب ومن خلفه سنوات لا تعد، هو واثق كالسنديان ومعه جعبة من التجارب الغنية، هو ثابت كالجبال وحمله التواضع والمحبة..لا يهدأ ابن السبعين، غزير التواصل مع الاصدقاء، مبادر في التحية والسلام والسؤال، هو المطرب والممثل والفنان عفيف شيا الذي ابهرنا منذ أيام في حفل تكريم بعض رواد الغناء اللبناني!

اختار ان يقدم تحية إلى الرائد الرائع نصري شمس الدين، فكانت خشبة مسرح الاونسكو، الكل يعتقد ان الطلة كلاسيكية، فالسؤال هنا مشروع، الكل لن يعير الوصلة الاهتمام الكبير فابن السبعين سيغني بتجربة الخمسين سنة خاضها في معراك الفن الغناء والسلام، لكن المخضرم اكتشف التحدي، وجهز العدة والمفاجأة، وهذا ما حصل.
الوصلة الاولى كانت تحية بتحيتين، الاولى للراحل نصري، والثانية تنطلق بفنان مخضرم له في مجال الغناء بال طويل تجاوز الخمسين سنة محملة بالطلعات والنزلات والشوك والورود وحبات الرمان، وكانت المفاجأت حيث اختار أغنية" الطربوش" الحان الموسيقار ملحم بركات، وسنكشف سر إذا قلنا أن هذه الاغنية كتبت ولحنت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي للفنان عفيف شيا، وبسبب سفر نصري المفاجئ إلى الكويت قرر ان يأخذ الاغنية على عجل، وهكذا حصل، ونجحت نجاحا صداه لا يزال حاضرا..اليوم ارجع عفيف الاغنية صعبة الاداء إلى ملعبه لتكون تحية وفاء لروح وتجربة نصري.
صعد عفيف المسرح مرتديا الشروال، وهو من الفلكلور اللبناني، استقبل باحترام وبانتظار ما بعده، واخذ يغني الموال لنكتشف أن صوته لا يزال متمكنا، والكل يعرف أن الموال اصعب فنون الغنا،، وبسرعة بدأت الصالة تتمايل مع نبرات صوته، وغنى بحنجرة من ذهب لا تعرف التعب، اطرب فرقص فرقصت الصالة، انتقل من مقام إلى اخر بسلاسة فانتقل الجمهور معه، واتقن الحركة المسرحية بذكاء فهاجت الصالة بالتصفيق وبطلب الاعادة، غنى ولم نرتوي، غنى كما لو كانت يغني ﻻول مرة، غنى ليس ليتحدى بل يسقينا من نهره، غنى ليناطح النغم بشباب العمر، غنى ليسكت الوقت، ويقدم الورد، غنى ليمتلك غنيمته في نثر المحبة، غنى كي يقول هذا جيلنا، غنى ليتصالح مع النغم، غنى بصدق واحساس وتمكن فظهرت ملامحه الطفولية كعاشق لا ينهك من عشق لعبته، لذلك وهج شباب عفيف بان من فرح نظراته، من تطايرها كالاسهم لتصيب كل من كان في الصالة،  الاغنية صعبة وتتطلب نبرات امكانيات الشباب ولكن تحدي صاحب المشوار فرض نوعية متمكنة كدنا ننساها في زحمة الغناء المضروب والمشتت وتالفقير!

عفيف شيا غنى " الطربوش " بسحر الشباب، صوته لا يعرف الغبار ولا تعب السنين، انتقل به من حالة إلى حالة بقوة عضلاته الصوتية دون ان يستخدم الصراخ، اولى العناية بالحرف بوضوح، لم يستخدم العرب بازعاج بل بسلاسة، رافق نبرات العمل بطفولة، استعرض التراث والشكل والحركة المسرحية بذكاء، واعادنا إلى الزمن الجميل وهو عاصر بعضه بعفوية وبخمر التجدد والماضي الواثق.
غنى عفيف شيا بطفولة مسكوبة بالفرح والامكانيات الباقية، اعتقدنا أن العمر اصيب بالترهل، اعتقدنا أن الزمن هجر صاحبه، اعتقدنا ان الصوت شاخ، والنتيجة روح لا تعرف السكون، ونشاط لا تغيب عنه الشمس، وصوت هادر ادهشنا حتى الثمالة، وطلة غنية بموهبة هادرة، ووفية لزمنها رغم شوكها.
ما فرضه عفيف شيا في وصلته الغنائية على كل من حضر خفل الاونسكو ليس عابرا، بل يؤكد ان البلابل حينما تعلم بأصول استخدام صوتها لن تعرف الافول، وان الشجرة المثمرة تعطي حتى الرمق الاخير، وان الزهرة المتمكنة من ارضها الثابتة تطرح الطبق الاجمل، وان الفن  المصحوب بموهبة غنية سيجد صاحبها مساحته الذهبية كلما اطل مع نسائم الفرح.
المطرب عفيف شيا أمين على صوته فتركه متدفقا في كل المناسبات، وهو ادرك مفاتيح فنه مع عمر مصحوب باوجاع الفرص الضائعة أو المحاربة فعالج زمانه بعدم الوقوف مع خيبات المرحلة، قرر أن يعالج اسماعنا كلما سنحت الفرص احاك الغناء على اصوله، وصعد إلى المسرح باصوله، واحترم وصلته بقيمة أصوله لحب فنه وجمهوره، وزرع الوفاء لموهبة اقل ما يقال عنها انها لم تهتز او تتلكأ رغم تكالب الزمن وغبار الوقت..
عفيف شيا المطرب الصداح يستحق منا ان نصفق له مطولا فما فعله في تلك الامسية حالة جنونية تحسب له ولفن الغناء، وسنتذكرها دائما كما لو أننا شاهدناه وسمعناه ﻻول مرة، وفي هذه المرة سحرنا بخفة ظله، وبنعومة خطواته، وبذكاء استعراض حركته، وبرجولة وقفته، وبصوت من ذهب مغموس بخمر التعب حيث حب البلبل للنغم...عفيف شيا بلبل من هذا البلد يسكب نغماته على اعتاب الوجع، ويترك بصماته على مفاتيح الفرح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أصواتهن وتجربتهن في الميزان النقدي الحلقة 6 من 8

جوليا بطرس وغياب المغامرة و نجوى كرم التخطيط المغاير بقلم\\ جهاد أيوب • صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية • تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث • تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً! • نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق • تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً • تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا! جوليا بطرس : صوتها (  alto ). صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً. وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر ...

مبروك تلفزيون لبنان ونبارك للزميل جهاد أيوب على تفوق حلقة "المجد ملحم بركات" وهذه ملاحظاتنا

بقلم// طانيوس أندراوس  ساعتان ونصف الساعة قضيناها مع أبو مجد دون ملل، لا بل رغبنا لو كانت أطول...وبعد النجاح الكبير ونسبة المشاهدة العالية لحلقة "الايقونة صباح" اعتقدنا أنها حلقة عابرة من تلفزيون لبنان، ومجرد خطوة مشرقة للزميل الناقد جهاد أيوب، ولكن بعد متابعتنا لحلقة "المجد ملحم بركات" وتلمسنا النجاح المتميز، ونبش ذاكرة بطريقة نظيفة خارج الثرثرة الإعلامية الفضائحية التي اعتدناها في العالم العربي وخاصة في لبنان لا بد من أن نبارك للتلفزيون الأم والأب تلفزيون لبنان، ونشد على يد الزميل الناقد المسؤول جهاد أيوب لنجاح فكرته في تكريم كبارنا. كل يوم نكتشف الذاكرة الذهبية الرائدة في أرشيف تلفزيون لبنان، أرشيف عرض في حلقة ملحم بركات بطريقة ذكية، غاية بالحساسية دون إلغاء أو تعمد، وببساطة شعرنا بتاريخ أبو مجد منذ البداية حتى رحيل، والعفوية كانت في أننا لم نشعر بالملل، وأصرينا أن نشاهدها في الإعادة أيضاً. أن يغامر تلفزيون لبنان في تقديم حلقات تكريمية دسمة بهذا الحجم عن كبارنا في لحظة سباق التنافس الفضائي اللبناني حول من يقدم برامج الفضائح والسذاجة يعني أنه الت...

عن شذى حسون وأدم في "حرب النجوم"

بقلم//جهاد أيوب الحلقة الاخيرة من البرنامج الانجح والاجمل #حرب_النجوم  مع الفنان الذكي #هيثم_زياد كانت جميلة، لا بل ممتعة، وادخلت البهجة والفرح، ومميزة مع المطربة #شذى_حسون والمطرب #أدم . المطرب أدم صوت مهم جدا، وحساس فوق العادة، يشبه الكرستال في لمعانه وحساسيته وصداه، ورغم ذلك اخذ راحته كثيرا في البرنامج، وهذا خطأ اشعرنا كما لو كان في الشارع، وفوضويته مزعجة، وتعليقاته اضرته...يحتاج إلى التروي إن حكى، والاهتمام بمظهره، والابتعاد عن الارتجال غير المسؤول، وتدريب صوته أكثر فرغم جمالياته تاه منه في اماكن كثيرة! أدم من اجمل الاصوات، وعليه اعادة النظر بخطته الفنية والإعلامية ليصل إلى مكان يليق به... المطربة شذى حسون صوت من ذهب، يؤدي كل انواع الغناء والتطريب، وجمالها يلفت بنعومة جاذبة، ولكن الغباء الثقافي الفني كان واضحا ولا يليق بهذه الموهبة. كان عليها الاهتمام بمظهرها في الحلقة، وتستخدم نعومتها اكثر مع دلال يليق بها...صوت له المستقبل إذا عرفت التخطيط وليس الشهرة السريعة فقط! "حرب النجوم" اهم برنامج منوعات في الوطن العربي، رشاقة واناقة، ومذيع حكم مطرب سريع البديهة وح...