بقلم//جهاد أيوب
رغم إشكالية الوجود الثقافي العربي، وضعف قيمة الثقافة بشكل عام في كل مكان من هذا العالم العنيف لا نستطيع الانفلات من مفرداتها، وقد نتعامل معها من باب التسلية واملاء الفراغ مع إن التفكير من خلال الحذاء هو المستخدم خاصة ان كرة القدم سيطرت وتفوقت وأصبحت هي الثقافة الفعلية!
لا خلاف على أن المثقف العربي يتحمل المسؤولية الكبرى في تراجع التواصل مع الثقافة، وارتضى أن يكون تابعاً منافقاً كاذباً دجالاً رخيصاً ومرهوناً للنظام السياسي، فتربع مع شلة المطبلين على مائدة الخضوع ناسياً دوره التنويري، والباحث عن الكمال والمدينة الفاضلة!
على المثقف قبل غيره الاعتراف بأن ما كان يعتقده بالتفاصيل كالشعر والقصة والرواية تصنع ثقافة لم تعد كذلك، وليست مجدية في مخاطبة الآخر، وفي السير مع قضايا الناس، لا بل استطاع النظام العربي أن يجعل من المثقف والثقافة بوقاً، أو يهجنهما ليصبحا أكثر سذاجة وخفة وغباء!
إن وسائل المخاطبة التي تصنع ثقافة اختلفت اليوم، والمطلوب من المثقف الانفتاح على تقنيات العصر، واستخدام العلم المتطور لصالح طرح افكاره، والاعتراف بأن موارد الثقافة متعددة وشاملة وأهمها كيفية الاقتراب ومخاطبة المجتمع، والوقوف إلى جانب المظلوم مهما كانت النتائج!
ورغم كل هذا الشلل الحاصل في الفكر الثقافي الإنساني، لا بد من الإشارة إلى أن لغة السياسة هدمت، والتجارة قتلت، والحروب لم تفد الإنسانية، وسجن زعامات النظام الساسي إلى كل بادرة تنويرية، وتعمد تخوين مشروع النظام السياسي الديني الطائفي لفكرة تحرر الثقافة، وتوظيف الفنان والأديب والإعلامي في خدمة النظام، وبعد هذ الانحدار الأخلاقي والإنساني الاجتماعي تأكد دون جدلية أن الثقافة العربية هي التي توحد الشعوب العربية، وهي القاسم المشترك، وهي التي تزرع التواصل رغم اختلاف الحالات الاجتماعية والمناطقية والدينية والمذهبية في دولنا العربية، ولكن!
المسيحية والإسلام على الأرض لم يوحدا الأمة، ولا الروح الإنسانية في فهم العيش المشترك بين الأديان، وكذلك في الطائفة الواحدة، وكل ما نسمعه زعبرات وخزعبلات لفظية ليس أكثر، بل هنالك فروقات عقائدية واسلوبية بدل أن تغني الفكر ساهمت بزراعة القتل والموت، وحينما نصل إلى الحرب بين ادعياء الديانات والثقافة ينتهي الحوار، ويسقط الفكر!
كما أن الكثير من النظريات المختلفة إلى حد التصادم وتكفير الآخر في الدين الواحد، والصف الطائفي الواحد، والحزب الواحد قد يعتبرها بعضنا هي الثراء! وما هذا الثراء الذي أوصلنا إلى التصادم الدامي، وإلغاء من لا يتفق معنا، ولكن في النتيجة هو اختلاف عَمَقَ الهوة الإنسانية، وافقدنا فلسفة الروح والوجود بينما الثقافة توحد، تناقش، تجمع، تفصل، وتصل إلى هدف واحد لا يوجد فيه دماء!
ومع ذلك علينا الاعتراف ان العرب يعيش الانفصام بكل مراحله وفصوله، وهذه أكبر المصائب في عدم التمكن من السير مع المستقبل، وحال العرب كحالهم في بناء شقة انيقة في عمارة غير سليمة دون الوصول إلى تحقيق ذلك لعدم الانطلاق من الأساس السليم، أو عدم التصالح معه حتى يعاد ترميمه والإفادة منه! العرب يجهلون ماضيهم كلياً، والغرب ساعدهم على الوقوع بفعل الهروب والنسيان حتى نجهل الأساس في بناء العمارة!
جامعاتنا تخجل من ماضينا، وتهتم بالحاضر ارتجالياً وتتجاهل تاريخنا خوفاً من النقاش والوقوع بالمغامرات غير محسوبة لإرضاء الخلاف الديني، والأخطر لقناعات حاسمة بأن ماضينا كما تاريخنا كتبه المنتصر والغرب ولا نعرف صوابيته، ولا الاتفاق عليه!
نعم مفاصل وأصول حساسة من تاريخنا لا نكتبها بل تكتب لنا، وإذا قررنا أن نكتبها نترجمها بعاطفة جياشة وبتصرف شخصاني، ونلغي الحقائق وتفاصيل حقيقية حصلت في فكرنا وديننا وأوطاننا، ونصنع اسطورة ممن نحب، ونشوه من لا نحبه، ولا نسعى إلى أن نستفيد من الماضي لصالح الحاضر والمستقبل، والدليل أننا في الدين الواحد نختلف إلى حد الصراع والتكفير على مواقيت العبادة والصلاة والصوم والاعياد والتاريخ بحجج فلسفية غاية بالتنظير...وكذلك في الثقافة مع إن الدين ثقافة، في الثقافة نجهل كل ماضينا ومن سبقنا في عصور كنا فيها ولا نعرف من فيها فقط نأخذ ما يفيد شهوتنا وعنصريتنا!
العربي لا يبحث في تاريخه، ولا يناقشه خوفاً من ماضيه، ومن تعثره بالحقيقة التي تربكه فيخونها ويتجاهل صدماتها، والاهم أنه لا يريد التصادم مع اشكاليات الدين والطوائف حتى لا يُكفر، ولا يحب التعب والبحث، بل يريد أن تأتيه المعلومات وهو في سريره يضاجع ذاته...
وهذا الحال أوصلنا إلى ما نحن عليه جراء تراكمات التنبلة، وغياب المشروع الثقافي عند المثقف المعاصر، والجهل فينا أصبح اشكاليات وتعصباً كما حال المسيحية والإسلام والأحزاب العقائدية والعلمانية!
لا يحل هذه المعضلة غير نهضة ثقافية واقعية تبدأ بانتفاضة على الذات، وتناقش الموروث، وتحاور الديانات، وتعيد صياغة التاريخ السياسي والفكري والاجتماعي بموضوعية وبمسؤولية، والأهم لا محضورات في استرجاع الماضي، ولا مجاملات في قراءة الحاضر...صعبة في أمة متهالكة في التهكم والقتل والخيانة والتعصب وبطر المال والفقر والدين...وقبل أن تصبح الثقافة العربية وهماً!!
تعليقات
إرسال تعليق