ارهاب المشاهد العربي نجح في انعدام الثقة
من هنا اصبح المشاهد العربي لينا امام ما يعرض عليه لاسباب حياتية مؤلمة، وللقلق الذي يساوره في كل متطلبات زمانه، ترك مهمة التخطيط والعرض والطلب لغرف سوداء همها العمل الجدي على تسطيحه وابعاده عن واقعه، وعدم معرفته بما يحاك بقضاياه المصيرية،وبتكوين شخصه وعنفوانه وبلاده، انهك هذا المواطن المشاهد من الهزائم السياسية التي فرضت عليه إعلاميا، ابعدوا عنه انتصارات حدثت لم يعتادها واصروا ان يكون في الهزيمة، طلبوا منه أن يخاف شريكه في الوطن إذا خالفه الفكر والدين، فرضوا عليه التقوقع والخوف من كل جديد في الفكر والسياسة والادب والفن، سجنوه بتقاليد وعادات جاهلية بحجة الحفاظ على الخصوصية، أخافوه من الاحزاب التي في دورها فشلت في ان تكون البديل، وضعوه في خانة التعصب الرياضي والفني والطائفي بعيدا عن السماح له بتشغيل فكره في اسباب اختياراته، وانعدمت الثقة بذاته وبطموحاته ليصبح مجرد رقم يصرخ كلما طلب منه، ويحدد عدوه إذا سمع وشاهد وقرأ إعلامه الموجه!
المشاهد العربي الذي هرول من فضاء النظام الرسمي إلى الفضاء التجاري كبديل اصيب بخيبة جديدة فهذا البديل مول من أموال النظام الحاكم وتحديدا نظام البترول بواسطة شخصيات مقربة وتنفذ مشاريعها مباشرة، مما اتاح لها ان تقدم سلع ساذجة لا تحترم اصول المهنة الإعلامية ولا الموهبة وهمها خلع ملابس المذيعة وفكر المذيع، والاهم ان تقدم ما يبعد المشاهد عن ذاته، ويغوص بالجنس والترفيه المدروس غير المفيد والنعرات التعصبية لمواهب الغناء والرياضة!
المشاهد العربي يكره البرامج السياسية لكنه ينتظر أقوالها وضيوفها، و يبحث عن البرنامج الناجح اعلانيا واعلاميا وجدليا او الملفت والمثير، ولا يبحث عن فضائية معينة المهم ان تقدم شهوته وحاجته الراهنة، لكنه يهرب من الواقع المقزز إلى واقع قد يوصله إلى الانفصام، يريد ان يتسلى بعد ان تلمس كذب غالبية الفضائيات، وفبركاتها للخبر بما تشتهي سياسيا، وللحق نادرا ما يوجد فضائية تستحق لقب الصادقة، بل تغليب المصلحة السياسية على حساب الموضوعية والحقيقة وهذا للاسف ما يسود، صحيح هذه الاخيرة اي الحقيقة لا نستطيع استخدامها في بلادنا ومجتمعاتنا لأن نقلها كما هي إعلاميا تصنع الحروب الاهلية والطائفية والحزبية، ولكن بشيء من الموضوعية في الطرح وعدم اخفاء مضمونها نعلم الناس كيفية التعود على معرفة الحقيقة!
نعم يوجد العديد من البشر ضد معرفة الحقيقة، والارتياح لدعم عنصريتهم وسياستهم الوحيدة، والمطلوب من الاعلام ان يقول ما يشبع رغباتهم ونواياهم وحقدهم، وهذا المرض لم يحصل بكبسة زر بل من جراء السم الذي يقدم عبر بعض الاعلام و بعض النظام الحاكم من قبل زعيم المراحل بكل انواعها، استطاع النظام العربي ذات حكم "طال عمرك" ان يبلور مجتمعاته، ويصنع شخصية متشابهة بالتفكير وبالتصرف وبالتساوي في اختيار نوع الطعام والجنس والمطرب والرياضي والشاعر. وبعد فوضوية الحركات التخريفية التي قيل انها ربيعية اخذ هذا المواطن المصنع والمبلور والمتحمس للتغير دون ان يقوم بالجهد، اخذ بالصراخ وباكتشاف انه لن يكون كالاخر المحلي بل هو شبيه بالاخر الغربي، وبسرعة، وبواسطة الميديا والغرف السوداء التي تديرها انظمة تمتلك المال والحقد والفكر الشيطاني اصبح هذا النفر -الفرد -المجتمع مدبلجا اسيرا، واحيانا محنطا لحركة الميديا في الفضاء!
وبعد ان اتخم فردنا ومجتمعنا من ثرثرات نشراته، وكشف المستور عنه، وسجنه في زعيمه حتى توصل إلى أن يتمنى الموت كرمال حياة زعيمه، ومشاهدته لمن سلمه رايته انه يحقن به في الليل والنهار ضد شريكه وجاره وشبيهه وهو اي زعيمه يسهر، ويقبل، ويأكل، ويتسامر مع من قيل له أن هذا هو عدوك، بعد كل هذا قرر ان لا يخطط او يجابه، بل الانزواء خلف شاشة ومطعم وطبخة، وابراج اليوم، والتنجيم وبرامج الحوارات المكررة والفارغة، و الدعارة، والحوارات المتشنجة والمشاكسة والتي تصل الى الشتم والهبل السياسي!
يعتقد المشاهد العربي أنه بذلك حقق راحته وابتعد عن المشاكل دون ان يشعر أنه في عمقها هو الفحم الذي يستخدم..المرحلة خطيرة اذا استمر هذا الفضاء الاسود، وتجعل المشاهد العربي صنما وقحطا إذا داوم على مشاهدتها أو هرب منها إلى التسطيح والاستحمار واللا مسؤولية..الاختيار صعب والمطروح اصعب!
تعليقات
إرسال تعليق