كدنا ننسى أن الالتزام حق
بقلم||جهاد أيوب
منذ انطلاقة اللعبة السياسية في لبنان والالتزام الأخلاقي عند الغالبية العاملة في الشأن السياسي بعيد عن الممارسة، ودائماً الغلبة تكون للمصالح الخاصة على حساب مصلحة الوطن والانسان فيه، والسعي يكون للمكاسب التي سيحصل عليها الزعيم كي يبقى في زعامته متمترسا ومتسمرا على كرسيه لا يزحزحه غير الموت بعد ان يكون قد اوصاها واورثها لولده دون نهايات زمنية تذكر، المهم أن تكون اهداف حركته السياسية مبنية على دائرة يخطها بجهود خاصة تحلل له كل الأفعال والانفعالات والانفلاتات والانزلاقات والتخليات من أي قيد أو وعد كان قد أخذه مع شركاء في الحكم والبلد، ويساعده في انغماسه بهذا الأسلوب الذي اصبح منهجاً له ولمن يسير على دروبه غياب المحاسبة، وتغني جمهوره بأفعاله التي لا تمت إلى الممارسة السياسية الحق وإلى التربية المدنية والوطنية والأخلاقية بشيء، وبذلك يعتقد أنها نجاحاته الميمونة والمستمرة، ونستطيع القول أن اتفاقات الليل عند أكثر الساسة في لبنان تطير مع عصافير النهار إن لم تصبح مغايرة كلياً، وجرت العادة أن ينام النائب رئيساً ليتفاجأ فجراً بأن تعيينه تاه مع الريح، ومن اتفق معه ورشحه وأيده لم يعد يعرفه، والحديث عن ذلك يطول، لا بل الإشارات و سرد الحكايات حولها تحتاج إلى مجلدات كي تكتب، إلا أن السيد حسن نصر الله وهو القائد الصادق والإنسان الوفي، وزعيم أهم مقاومة في التاريخ حيث رسخت في الكتاب انتصارات عسكرية وإعلامية ونفسية على الكيان الصهيوني والجيش الإسرائيلي، هو الأكثر تواضعا مع انه سيد المقاومة التي أصبحت قوة إقليمية، وهو الأكثر صبراً وتحملا لأخطاء شركاء الوطن لإيمانه بقضية محقة وبأن الوطن للجميع، و هو الملتزم ببقاء البلد والانسان فيه، هذا السيد أكد في خطاب أمس الأول أن التزامه الأخلاقي السياسي قضية واقعية وليست قضية تحدث في الاحلام، وهذه " الالتزام الأخلاقي السياسي" جملة لم يعتدها الشارع اللبناني، ولم نسمعها من السياسيين من قبل، كأنها جملة سقطت علينا من فضاء غريب لا يشبهنا، السيد يمارس التزامه هذا فعلاً وليس كلاماً دون التنفيذ، هو بمستوى التزامه الديني والقيادي والعائلي والأخلاقي، أي أن مسؤولياته ليست وراثية بحجة بقاء الزعامة، وليست لتوريث الاحفاد كي تبقى الكرسي، وليست مجرد صورة وبرواز يتغير مع الزمن وحسب القوى الإقليمية والمصالح المادية!
حينما قال السيد : " نحن لدينا التزام أخلاقي سياسي مع ميشال عون، وندعم ترشيحه، وسنفي بالتزامنا، وعلاقتنا مع حلفائنا مبنية على الثقة والصدق والحوار الدائم والاحترام المتبادل... " صفع الجميع، وقدم درساً في أن السياسة ليست فن الخداع والكذب ومن يكسب أكثر، بل وضعها في قانون الالتزام بما يتفق مع عقلك ولسانك وصدق مواقفك لأن صديق في الوطن أهم من عدو في الوطن، لأن شريك في الوطن والسياسة التي وجدت لخدمة الوطن وأهله أهم من جلسات التكاذب، أو تتعمد الكلام المنمق وبيدك الخنجر الغادر، لأن التواصل في الوطن لا يعني الضحك على من هو يؤمن بالوطن بحجة نعمل في السياسة كي نضحك على الشريك مطولاً، وما نتفق عليه الأن سنغيره بعد برهة حسب من يدفع أكثر... إن سلاح السيد نصر الله الفعل بعد أن اتفق معك قولاً هو الشرط المعروف، شرط هذا الرجل الذي تصالح مع تاريخه بأفعاله، والمقبل إلينا من عباءة نظيفة ومليئة بغبار الجهاد وتعرف قيمة التراب والصخور والزهور، وغسلت بماء الوطن، شرط هذا المقاوم والسياسي حماية كرامات الناس ومقاومة الأرض التي حمت الوطن واعادت ما سرق من ترابه، وكل ما يحدث بعد هذا الشرط ليس في ملعب الكسب والسرقة والغدر والتشاطر بل السعي الحقيقي في أن يتحقق الشرط دون منه أو تكاذب وغدر، وبالفعل تم التكاذب والغدر من بعض من اعتقد أن رجالات المقاومة تصدق مد يده، ومع ذلك مدت اليد لتصافح لكنها لم تكن غبية، أو عبيطة كي تجرب المجرب مرة ثانية!!
إن وضوح أقوال وأفعال السيد حسن هي مدرسة جديدة في الخطاب السياسي، وحلقة قيمة تدعم حماية أن الأمل لا يزال دواء الحقيقة، وأن الحقيقة مهما عمل على تشويهها مصانة عند أمثال السيد، وأمثال السيد قلة لكننا في وجوده لن نكون أخر الحالمين بمثالية في حقيقة السياسة الوطن، وهذا الوضوح عند نصر الله قربه من كل الاطياف والشرائح والناس، وجعل الأعداء ينتظرون كلامه- طلته – حضوره - خطاباته - حواراته وما سيقوله قبل مناصريه وأحبابه، وضوحه وتاريخه وصدق وعوده، وتصرفه قربه من الطفل والشاب والشيخ والعجوز، وجعله منارة في فكر الطالب والباحث ومن يختلف معه فكرياً وعقائدياً، هو لا يحتاج إلى من يشرح مواقفه، الكل يفهم عليه ويثق به ويتبنى ما قاله لأيمانه بأنه بعيد عن الكذب والدجل والتعامل باستخفاف وخفية بالقضايا الوطنية المصيرية وشؤون العباد الذي اعتادها من غيره على مر الزمن في الكيان اللبناني وما ادراك ما السياسة في الكيان اللبناني الهش!!
لا يحتاج السيد حسن نصر الله أن نجامله، أو نتحدث عنه وهو الذي زهد في المناصب والمراكز والزعامة وانتصر عليها، وهو الذي تواضع كي يبقى قريباً من أهله وأناسه، ولكن في خطابه الأخير قدم درساً في أن العمل في كل المجالات إن كان شفافاً وواضحاً لن يفقد صاحبه، ولن يخسره صاحبه، فالوضوح والصدق وتنفيذ الوعد وصيانة وايصال الأمانة تزيدك قيمة ووهجاً خاصة إذا كانت في السياسة، والسياسة في بلادنا لم تعد سياسة المنطق والمعقول بل هي سياسة اللا منطق واللا معقول، وها هو رجل لا يطمع بالثروة ولا يطمح إلى منصب يرمي الحجة ويلقن الجميع درسا مهما ًكدنا ننساه وهو أن الالتزام الأخلاقي في السياسة أكثر من ممكن، ويمكن للسياسي أن يقولها...
تعليقات
إرسال تعليق