بقلم//جهاد أيوب هذه التي علمتني الفرنسية رغم تواضعنا في فك حروفها، فكانت الفاهمة، الناطقة لحروفها بلسانها السليم، ولم تعتبر نفسها مدرسة بقدر ما كانت تعاملنا بأخلاق واقرباء واصدقاء. وهي التي فتحت أمامنا خزائن الترتيب داخل الصف، وفي كيفية التعامل مع الملابس والكلام، كانت تلفت انتباهنا إلى انسجام الألوان مع بعضها، واستخدام المفردات دون أن تشعرنا بالخطأ إن وقع منا. لم تكن تبتسم إلا إذا أكملنا واجبنا على أحسن حال، ولم تكن تعصب، أو تنطق بالكلام الجارح حتى لو قصرنا، كنا ولا زلنا ننظر إليها باحترام الوقار، وبأنها نجمة عالية في ملعبها، وكبرنا من صفوفها الابتدائية، وقطفنا بعيداً عنها مراحل المتوسط والثانوي والجامعة والغربة والعمل والنجاح والشجار، ولكننا لم نبتعد عنها داخل ذاكرة صنعتها بأنامل من ذهب! أذكر كيف كانت تعاملني معاملة خاصة، وتفتح أمامي أفاق القراءة، والدرس، والصبر، والاتزان. تغير الزمان والمكان والمقاعد والوجوه والمربية الاستاذة نعمات قانصو أميرة الذاكرة، نعود إلى كتابها لنتعلم من دروسها كلما جف الواقع، هي ذاكرة خصبة، وهي حروف القصيدة، وهي أغنية الترنيمة...يحق لها التقاعد ...